بين حرية الرأي وسرية التعبير
بعد ان اتضحت العديد من الحقائق بخصوص بعض رجال السياسة والدين وخلال فترات مختلفة ودورهم في واقع العراق المأساوي ومن هذه الحقائق المؤلمة بناء المشاريع الضخمة وتقديم الخدمات الكبيرة من قبل مرجعية السيستاني لإيران مع الظروف الصعبة التي كان يعيشها العراقيون خصوصا في فترات الحصار الاقتصادي الجائر ، بعد كل هذا برز البعض وهو يحاول تبرير هذه المواقف التي تعكس عدم الاهتمام بالشعب العراقي فراح يتكلم ببعض الكلمات ويحتمل بعض الاحتمالات عسى ان تشوش ذهن القارئ وتبعده عن الحقيقة ومن بين الردود التي صادفتني قول البعض أن صدام كان لا يرضى ببناء هذه المشاريع في العراق وبالتالي كانت المرجعية مضطرة لبنائها في إيران !! والبعض يقول ان هذه الأموال التي استخدمت في البناء لم تكن عراقية وبالتالي فالمرجعية غير ملزمة بصرفها على العراقيين !!
وفي الحقيقة هذا الكلام لا يدفع الإشكال ولا يبرر الموقف فحتى وإن كان صدام لا يقبل فهل يسوغ هذا عدم البناء في العراق فيمكن البناء عن طريق إيصال الأموال الى بعض المؤمنين وحتى يظهر البناء وكأنه تمويل فردي ذاتي وليس من المرجعية وهذا ما كان موجود حيث يقوم البعض ببناء المساجد والحسينيات وبتمويل فردي وهذا لا يشكل أي ضرر .. ثم ان هذا الكلام يعتبر طعنا بمقام المرجعية فهل أن المرجعية وصلت إلى درجة من الجبن تخشى من خلاله بناء المساجد والحسينيات في العراق ، إلا اللهم إن كانت هذه المرجعية غير حقيقية وليست لها ثوابت ومبادئ وقيم ، ثم لنقل أن صدام لا يقبل ببناء مثل هذه المشاريع التي تم بناؤها في إيران ولنعطي العذر والمبرر للمرجعية فتوجد عدة طرق وسبل لإنفاق هذه الأموال على العراقيين خصوصا في فترة الحصار الجائر والظالم عن طريق الوكلاء والمعتمدين وبعض الوجهاء وليس الأمر محصورا ببناء المشاريع فقط وفقط وإنما يمكن المساهمة بها في إيجاد لقمة العيش لمن كان غير قادر على تحصيلها أو توفير الدواء لمن كان يتألم من المرض ، كما ان وصول الأموال الى المحتاجين في العراق يكون أسهل من إيصالها الى دولة خارجية كإيران أما ادعاء ان الأموال ليست من العراقيين فهذا الأمر ليس له واقع وليس بصحيح كون ان بعض التجار وميسوري الحال هم من العراقيين سواء كانوا في العراق أو خارجه وحتى لو فرضنا ان الأموال تأتي من خارج العراق وليس من العراقيين ، ورغم ادعاء أن هذه الأموال ليست عراقية بعيد عن الصحة ولا يوجد أي دليل عليه وهو مجرد كلمات لخداع الرأي العام وأن الحقيقة خلاف هذا الشيء ، مع كل هذا هل يسوغ ذلك التبرع بها الى إيران وترك العراقيين يتضورون من الجوع وألم الأمراض ؟؟ فنحن على الأقل لا نريد بناء مشاريع لأنكم تقولون أن صدام لا يقبل إذن ساعدونا في لقمة عيش أو جرعة دواء ثم هل ان المرجعية فقدت نظرتها الموضوعية والشعور بروح الأبوة لكل المسلمين حتى أنها راحت تحد من دائرة صرف الأموال إلى المحتاجين في العراق والتزمت بدفعها الى غيرهم ، فالمرجعية بما هي كيان مقدس ينظر الى المسلمين بعين متساوية ويقدم الأهم على المهم ، كما يعبرون ، يكون من المفترض وفقا للمنهج الإسلامي والشيعي العام هو الوقوف مع الشعب العراقي في المحن التي يمر بها بدلا من صرف الأموال في غير محلها ..
والسؤال الذي يطرح ، من الذي له حق التصرف في الأموال الشرعية ؟؟ هل المرجعية أو من يعطي هذه الأموال ؟؟ لأن البعض يقول ان هذه الأموال ليست عراقية وبالتالي فالمرجعية لا تصرفها على العراقيين بل تصرفها على بلد مصدر هذه الأموال ، بالتأكيد سيأتي الجواب أن المرجعية هي من تحدد المصلحة وجهة صرفها وبالتالي فلا يمكن القول أن هذه الأموال إيرانية ولا يجوز صرفها على الشعب العراقي لأن هذا بعيد عن المبادئ والثوابت الإسلامية ويعتبر هذا طعنا في كيان المرجعية الشيعية المقدس ، كما لا يوجد نص ولا منهج يقول إن كانت الأموال إيرانية فجب صرفها على الإيرانيين وإن كانت عراقية يجب صرفها على العراقيين أبدا لا يوجد هكذا منهج بل المنهج المعروف والثابت هو إيصال الأموال الى مستحقيها سواء كانوا في الصومال او السودان حتى وإن كانت الأموال مصدرها من استراليا فالمحدد لصرف الأموال هو حاجة الشعوب واستحقاقها والمحن التي يمرون بها ومقدار الخدمة العامة ..
لكن الغريب والتساؤل يكمن في هذه المخالفة الواضحة في ظرف صعب ومرير كظرف الشعب العراقي خصوصا في فترة الحصار فلا يوجد مبرر لإيصال الأموال إلى إيران وهناك من يتضور جوعا ويعاني الم المرض في العراق ، وهذا ما يبرر لنا القول بأن هذه المرجعية تنظر بعين القومية وليس بنظرة موضوعية ، والكلام هنا عام فهو يحكي عن واقع مرير مأساوي ، والشيء المؤلم هو ان من يدافع عن المفسدين لا يجني فائدة ولو كان مستفيدا ممكن ان نعطيه مبررا كونه يخشى على مصالحه لكن المشكلة انه لا يرى راحة في حياته وفوق كل هذا عندما تنتقد الفساد والمفسدين تراه ينتفض وبشدة وكأنه هو المسؤول أو الكلام والانتقاد موجه إليه ! اما بخصوص الكلام عن بعض من اشتهر بالمرجعية الدينية بلا أهلية فهذا لا يعني الطعن بكيان المرجعية ككل لأنه يوجد في العراق من اثبت الواقع أنهم علماء ونعم العلماء ومن مختلف الطوائف والأديان على مرور السنين لكن حين اذكر البعض ممن يسمى بمرجع بدون وجه حق فليس حقدا عليه وإنما للمصلحة العامة كونه كان ولا زال سببا في تسلط الظالمين والفاسدين علينا وإلا أسألكم بالله هل يجرأ أحد من السياسيين ممن يدعي أنه من المذهب الشيعي أن يصل إلى السلطة لولا دعوة المرجعية الناس لانتخابهم ؟؟ وبالتالي صارت المرجعية سببا في إيصال هؤلاء المفسدين الى السلطة أو على الأقل أن هؤلاء المفسدين اتخذوا المرجعية غطاءا لهم ولمشاريعهم ليصلوا الى أعلى الهرم في السلطة ومع كل هذا نلاحظ السكوت وعدم إيجاد الحلول من قبل المرجعية رغم ان المفسدين استغلوا هذا اللباس الديني المقدس ..
وللأسف يأتي من يقول لي لا تتكلم ولا تذكر المرجعية بسوء ، انتقد الحكومة احكي عن الخدمات وسوءها لكن لا تنتقد المرجعية !! أقول وما هي الفائدة ان تكلمت عن الكهرباء وعلى الحكومة والسياسيين إذا كان المسبب في إيصال هؤلاء السياسيين المفسدين هي المرجعية ؟؟ فبعد فترة وحين اقتراب وقت الانتخابات ستدعو الناس الى انتخابهم من جديد وطبعا ليس في الإعلام ففي الإعلام تصرح المرجعية أنها تقف على مسافة واحدة من جميع القوائم (وحتى هذا الشيء غير صحيح لأنه من بين القوائم الانتخابية المفسد والمصلح والعميل والوطني .. ؟؟) بل تدعو الى انتخابهم من خلف الكواليس كما يعبرون ، يعني عن طريق طلبة الحوزة والوكلاء والمعتمدين فيتحركون الى المجتمع خصوصا الشيعي صاحب القلب الطيب ويدعونهم الى انتخاب القوائم الشيعية الكبيرة ويحذرونهم من انتخاب القوائم التي لا تتمسك بثوابت المذهب الشريف وهكذا فما هي الفائدة من انتقادي للحكومة ان كان هناك جهة متنفذة قادرة على التحكم بالرأي العام الشيعي والسني وغيره ؟؟
أحبتي كثيرا ما أتساءل لماذا يكون من السهل أن يصدق الإنسان كذبة سمعها ألف مرة لكن من الصعب أن يصدق حقيقة لم يسمعها من قبل ؟؟ وهل أن حرية التعبير حقيقة أم أننا يسمح لنا بحرية الرأي ويحضر علينا التعبير إلا في السر فقط ؟؟
حسام صفاء الذهبي
المفضلات