وداعاً يا أبي
د. زهير توفيق
لم تترك الأفراس نعبث بالنساء
لم تترك الأجراس تهدم صمتنا
علّمتنا خجل الزوابع وارتفعت عن الأنين
سيجتنا بمياه عينك واكتهلت من السنين
كنا نغني وحدنا على إيقاع هجرتنا المرير
مضى عمري مضى
لم أشترِ كرة لأعبث بالفناء وأنتشي
حتى نبيع الذكريات على الهشيم محاصرين بلا يقين
ونحب حتى آخر الخشخاش في دمنا الرقيم
كنا نطل على السراب من الثقوب ونرتمي كالريح في درب الثكالى
كنا على سطح المرايا كالرياح نشاطر الموتى الخصام
لم نعرف النكبات والهجرات إلا كلها
كنا سنحضر في الخراب من الخرائب والفحيح ولا نشم لها مزايا
كنا
وكنا نعرف اللد البعيدة والحنين من الخرائط والإذاعة
كنا سنعرف ما عرفنا من حطام الروح, من فوضى النزوح إلى النزوح
كنا نعيش على الهواجس والركام
لا ماء لا غطاء
لا ظل لا غناء
لا غيمة هطلت علي
لا خيمة سترت يدي
وتقول لي: ستعود يوماً يا فتى
فتحملني الأماني من سياج النازحين إلى السماء
أنا الشريد, أنا البعيد
لم أعرف الوقت السعيد
هل كنت منذورا لقافلة العبيد
لنشق فجراً لا يضيء لنا الطريق
لم نعرف الحب السليط
علمتنا قهر المعادن واكتفيت من المدائن بالزوايا
وحمدت اسم الله دوما
سبحت خلفي
رتلت عني الزهر وإن
علمتني كيف السكون على مضض
علمتني شجر العشيرة كيف كان وكيف صار بلا مدد
واقتربت من اليمام وقلت ما يكفي عن النفي الزؤام
مضى عمري مضى
ستضيع يا أبتي
دعنا نعود إلى البلاد
هذي بلادي في انتظاري
وانتظرت إلى الأبد
وأمي لم تكن تهوى أبي
لتعمل أو لتقرأ ما يجول بخاطري
أمي تبالغ في الرحيق، وقد تبيع البيلسان لتشتري فرحاً بذيئاً من أبي
وأبي يمر على الحوانيت الكئيبة يشتري منها السجائر والدعاء على اليهود
ماذا تبقى من عظام للنهوض
ماذا سأفعل بالقليل من النقود إذا مضى عمري مضى
كنا نهرب عمرنا الحافي لنفرح في الظلام بلا شهود
ونعد أياماً لنرقص خلسة, أو في الإياب بلا أثر
كنا نودع فجرنا ونفك أسرى حلمنا المعسول تحت جراحنا
فنطير خوفاً خافتاً كي لا نرش الملح في أحداقنا ونقول لا
ستعود حتماً يا أبي ستعود حتماً للديار
ولم نعد للدار من وهج المعارك في الأثير
قد جاءك الرمق الأخير
اليوم يومك
الدور دورك
.....................
فجرى سعيداً قائلاَ للموت مرحى
.....................
لا تترك الفوضى ورائي
كي أنام على جناحك للأبد
المفضلات