[IMG]http://files.**********/vb/images_cash/up10/090918183542r0uW.jpg[/IMG]
يقول كاتب القصة كانت البداية عندما قرأت عن سفيان الثوري - رحمه الله: أنه كان لديه قبراً في منـزله يرقد فيه وإذا ما رقد فيه نادى
( رب ارجعون .. رب ارجعون )
ثم يقوم منتفضاً ويقول : ها أنت قد رجعت فماذا أنت فاعل ؟
وذات يوم فاتتني صلاة الفجر ثم تكرر الأمر أكثر من مرة فأقسمت أن أؤدب نفسي بالنوم في قبر في ساعة متأخرة من الليل ..
ذهبت بعد منتصف الليل، حتى لا يراني أحد، وتفكرت: هل أدخل من الباب أم أتسور السور ؟
كنت أخشى أن يمنعني حارس المقبرة من الدخول ..فكان القرار الثاني ..وتسورت سور المقبرة ..!!
ثم رفعت ثوبي وتلثمت بشماغي وصعدت..
و بالرغم أنني دخلت هذه المقبرة كثيراً كمشيع، إلا أنني أحسست أنني أراها لأول مرة .
لقد كانت ليلة مقمرة، إلا أنني أكاد أقسم أنني ما رأيت أشد منها سواداً فقد كانت ظلمة حالكة، وسكون رهيب .
هذا هو صمت القبور بحق، تأملته كثيراً من أعلى السور، واستـنشقت هوائه، نعم إنها رائحة القبور ، أميزها عن ألف رائحة، رائحة الحنوط
ثم جلست أتفكر للحظات مرت كالسنين ..
أتفكر في أحوال سكان هذه القبور
وقررت أن أهبط قبل أن يراني أحد فأتهم بالجنون ..
ولكن هذا لايعنيني فالجنون الأكبر أن تضيع مني صلاة الفجر
هبطت داخل المقبرةفأحسست برجفة في قلبي
والتصقت بالجدار بصورة غير إرادية ..
فبررت الموقف بأنني لست خائفا ولكنها الخشية من أن تطأ قدمي فوق قبر من القبور ..
نظرت إلى الناحية الشرقية والتي بها القبور المفتوحة التي تنتظر ساكنيها
يا إلهي .. ما أشد ظلامها !
تحركت قدماي الملتصقان في التراب بتثاقل عجيب لأسير بين القبور وأسأل أصحابها عن أحوالهم .. ولكن لا جواب
شاهدت قبرا فسألت صاحبه أشقي أم سعيد ؟
أأنت من الذين يضيعون صلاة الفجر مثلي ؟
أم أنك من أهل الغناء والطرب ؟
أم أنك من أصحاب الاختلاط المحرم والهر في الشاتات ؟
سبحان من قهر عباده بالموت
لقد رأيت القبر كثيرا، ولكن هذه المرة كان حالها مختلفا تماماً وكانت أفكاري أيضا مختلفة .. نعم مختلفة تماما ..
خفت أن أنظر خلفي، خفت أن أرى أشياء لا أتوقعها ..
يا إلهي : أهنا سأترك وحدي ؟
وبعد خطوات سرتها مرت كسنين ..
وصلت إلى القبور المفتوحة في الجهة الشرقية ..
أقسم أنني ما رأيت أسود منها ولا أفظع منها ..
وتساءلت كيف أتتني الجرأة حتى أصل بخطواتي إلى هنا ؟ بل كيف ستأتيني الجرأة لأنزل قبرا من هذه القبور المفتوحة ؟ وأي شئ ينتظرني في الأسفل ؟
لمت نفسي كثرا وهممت أن أرجع وأطعم عشرة مساكين تكفيراً لقسمي .
ولكن لا
لن أصل إلى هنا ثم أقف، يجب أن أكمل، ولكن لن أنزل إلى القبر مباشرة، بل سأجلس خارجه قليلاً حتى تأنس نفسي .
ما أشد ظلمته، وما أشد ضيقه، كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تكون حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة؟
جلست أمام حفرة مفتوحة وقد ضممت ركبتي أمام صدري أتأمل هذا المشهد العجيب، إنه المكان الذي لا مفر منه أبداً ، سبحان الله ، نسعى لكي نحصل على كل شيء، وهذه هي النهاية: لاشئ .
كم تنازعنا في الدنيا، اغتبنا، وتركنا الصلاة، وآثرنا الغناء على القرآن، والكارثة أننا نعلم أن هذا مصيرنا، وقد حذّرنا الله منه ورغم ذلك نتجاهل .
أشحت بوجهي ناحية القبور وناديتهم بصوت خافت، وكأني خفت أن يرد عليّ أحدهم : يا أهل القبور ، مالكم ؟ أين أصواتكم ؟ أين أبناؤكم عنكم اليوم ؟ أين أموالكم؟ أين وأين؟ كيف هو الحساب ؟ أخبروني عن ضمة القبر، أتكسر الأضلاع ؟ أخبروني عن منكر و نكير، أخبروني عن حالكم مع الدود .
وبعد أن سكنت نفسي قليلا نزلت برجلي اليمين، وافترشت شماغي، ووضعت رأسي وأنا أفكر، ماذا لو انهال عليَّ التراب فجأة ؟ ماذا لو ضُم القبر عليَّ مرة واحدة؟
نمت على ظهري وأغلقت عينيَّ حتى تهدأ ضربات قلبي، حتى تخف هذه الرجفة التي في الجسد، ما أشده من موقف وأنا حي . فكيف سيكون عند الموت ؟
فكرت أن أنظر إلى اللحد، هو بجانبي، والله لا أعلم شيئاً أشد منه ظلمة، ياللعجب! رغم أنه مسدود من الداخل إلا أنني أشعر بتيار من الهواء البارد يأتي منه! فهل هو هواء بارد أم هي برودة الخوف ؟ خفت أن أنظر إليه فأرى عينان تلمعان في الظلام وتنظران إليَّ بقسوة. أو أن أرى وجهاً شاحباً لرجل تكسوه علامات الموت ناظراً إلى الأعلى متجاهلني تماماً، حينها قررت أن لا أنظر إلى اللحد .
ليس بي من الشجاعه أن أخاطر وأرى أياً من هذه المناظر رغم علمي أن اللحد خالياً، ولكن تكفي هذه المخاوف حتى أمتنع تماماً عن النظر إليه
تخيلت جسدي عند نزول الموت يرتجف بقوة وأنا أرفع يدي محاولاً إرجاع روحي. وتخيلت صراخ أهلي حولي : أين الطبيب؟ أين الطبيب ؟
وتذكرت حالي داخل القبر وقد تركني أهلي وحدي و تذكرت قول الله تعالى (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة، وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم )
تذكرت عذاب ففاضت عيناي و تمتمت رب ارجعون
بكيت ماشاء الله أن أبكي، ثم قلت: الحمدلله رب العالمين، مازال هناك وقت للتوبة
لقد عرفت قدري، وبان ضعفي وأيقنت أن الله هو الحق المبين ..
المفضلات