سجن "مُنتظر" شرخ واهانة لسمعة القضاء العراقي
بقلم: الدكتور أيمن الهاشمي
أصدرت المحكمة الجنائية حكما بالحبس ثلاث سنوات ضد الصحفي الشاب منتظر الزيدي بتهمة إهانة رئيس دولة أجنبية (هو جورج دبليو بوش) أثناء زيارة رسمية للعراق، وكان هذا القرار المُسيّس موضع الإدانة والأستنكار من قبل العديد من المنظمات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الأنسان وحرية الأعلام، فقد أدان الإتحاد الدولي للصحفيين الحكم الصادر بالسجن ثلاث سنوات ضد الصحفي العراقي منتظر الزيدي الذي رشق الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بحذائه خلال مؤتمر صحفي عقده في آخر زيارة له لبغداد مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
ووصف الإتحاد في بيان له حكم المحكمة العراقية بأنه جائر ومبالغ فيه كثيراً .. وأضاف ان الصحفي وإن كان قد ارتكب خطأ إلا أن ما فعله كان يمكن التعامل معه داخليا وليس عبر القضاء .. وأعرب عن أمله في تخفيف هذا الحكم عند الاستئناف.ودعا الإتحاد إلى الإفراج عن الزيدي في أسرع وقت ممكن لا سيما وأنه محتجز منذ مدة طويلة بسبب أمر لم يكن تصرفاً عنيفاً بشكل جدي وإن كان تصرفاً محرجاً.
نقيب المحامين العراقيين أعرب عن إستنكار النقابة لهذا الحكم وأعتبره قاسيا ومبالغا فيه.
محامون آخرون إعتبروا الحكم بمثابة مسمار في نعش القضاء العراقي، وقالوا لقد بات النظام القضائي العراقي مليئا بالثقوب، ويفتقر الى الحد الادنى من الاستقلالية، رغم إدعاء القوات الأميركية أنها جاءت الى العراق من اجل تحقيق الديمقراطية، ونشر ثقافة احترام حقوق الانسان، واطلاق الحريات، وحرية التعبير على وجه الخصوص.
هذا الحكم كشف مدى تسييس القضاء في 'العراق الجديد'، وتوظيفه لتنفيذ رغبات ونوازع انتقامية لدى المجموعة الحاكمة، وتدخل الحكومة وبعض رجالاتها في الشؤون القضائية.
فالزميل الزيدي لم يقدم على اي جريمة جنائية، ولم يثبت مطلقا وجود اي علاقة له مع النظام السابق، ولم يحمل اي اسلحة محظورة، وكل ما فعله انه قذف بحذائه باتجاه رئيس أذل بلاده وأهانها، وقتل مليون ونصف المليون من ابريائها، ومزق وحدتها الترابية، وأغرقها في حروب اهلية، وصراعات طائفية.
الجريمة التي ارتكبها الزميل الزيدي، وحكم عليه من اجلها بالسجن ثلاث سنوات، هي اهانة رئيس دولة اجنبية اثناء زيارة رسمية. وهي عقوبة مجحفة، فالرئيس بوش رئيس دولة احتلال جاء ليتفقد جنوده ولم يكن في زيارة رسمية للعراق، بل كانت زيارة تخفي ومفاجئة، حتى ان رئيس للجمهورية ورئيس الوزراء لم يعلما بخبر الزيارة الا بعد ان حطت طائرته ارض العراق وتواجد في السفارة الامريكية!!!!.
على غير ما تقضي به الأعراف الدبلوماسية بشأن الزيارات الرسمية لرؤساء الدول. ولم نشاهد اية مراسيم إستقبال رسمية تقام على أرض المطار لبوش كما تقتضي بروتوكولات الزيارات الرسمية..!
والأكثر من ذلك أنه قد تم الإعلان عن هذه الزيارات (الرسمية) ولو لمرة واحدة في وسائل الإعلام الرسمية قبل حدوثها كما جرت العادة !!
إنها زيارات مفاجئة كما يقول إعلامهم الرسمي نفسه .. وهي تأتي لتفقد أحوال الجيش المحتل ودعمه معنوياً .. وهي أيضاً زيارات إعطاء الأوامر وتثبيت سياسة عملاء الحاكم ممن يسمون حكومات، لا بل حكومات (ديمقراطية) !!
كما أن أي رئيس أو مسؤول امريكي او اوربي يتعرض في بلاده للانتقادات ولهجومات من مختلف الانواع خلال التظاهرات منها القذف بالبيض الفاسد والطماطم، وهذه حقيقة في كثير من بلدان اوروبا وامريكا، ولم نسمع يوما عن مقاضاة صحفي او مواطن عن (جريمة) قذف رئيس أو ملك او رئيس وزراء او وزير بالبيض او الطماطم!! كما أن بوش صرح وقتها بانه يترك امر الصحفي منتظر الى تقدير الحكومة العراقية وانه شخصيا لا توجد لديه شكوى ضده!!!
بل ان بوش تعامل مع الموضوع في وقته بالمزاح، ورأى أن فيه نوعا من حرية التعبير عن الرأي، ومازح الصحافيين عندما ذكر نمرة الحذاء، واعتبر الموضوع مغلقا، فالحذاء لا ينظر اليه في الغرب النظرة نفسها في البلدان العربية، واستخدامه للتعبير عن الغضب ربما يعتبر اقل ضررا واهانة من استخدام البيض الفاسد. فعندما تعرض جون بريسكوت نائب رئيس الوزراء البريطاني للقذف بالبيض الفاسد، واتساخ ملابسه من جراء ذلك، لم يواجه المعتدي اي احكام بالسجن، بل لم ينم ليلة واحدة خلف القضبان، واقتصرت عقوبته على دفع تكاليف تنظيف هذه الملابس.
ثم لماذا هذا التجاوز والتغافل عن جريمة التعذيب والأيذاء المتعمد التي تعرض لها الصحفي منتظر الزيدي من قبل رجال الأمن المرافقين للمالكي، وامام شاشات التلفاز نقلت للعالم كله وشهدت الكاميرات بجريمة ايذاء وتعذيب الزيدي ولم تحرك المحكمة الجنائية ساكنا تجاه المجرمين بل أغفلتهم عن حكمها الجائر.
إن الأمل معقود في قضاة محكمة التمييز أو الأستئناف لإعادة النظر في الحكم الجائر والإفراج عن منتظر وتعيد الأعتبار للقضاء العراقي الذي عرفناه نزيها منذ تأسيسه لكنه تلوث بعد تسيسه من قبل الاحتلال والذين جاؤوا مع الاحتلال.
سيبقى منتظر الزيدي بطلا في أعين الملايين من ابناء شعبه وأمته العربية والعالم الأسلامي والعالم الحر، وفي نظر كل الذين اكتووا بنار السياسات الامريكية العدوانية الحمقاء والحروب التي تمخضت عنها.
لقد قذف الزيدي مجرم الحرب الأول الذي جلب الخراب الذي حمله الى العراق، جورج بوش، بالحذاء وبكل ما يمثله من رمز للقذارة والإهانة!! وصار الحذاء رمزا يرفع اليوم في مختلف انحاء العالم بوجه الطغاة في كل العالم.
المفضلات