مخاوف ان تكون مقدمة لموجة اضطرابات داخلية
حرائق غامضة بـ19 مسجدا في إستانبول
في ظاهرة تثير القلق والمخاوف من احتمال تعرض تركيا لموجة اضطرابات داخلية، وقع 19 حريقا في مساجد عدة بإستانبول خلال الأيام القليلة الماضية، خمسة منها حصلت في يوم واحد.. وفيما لم تكشف الشرطة بعد عن أسباب الحرائق، فإن مصادر تركية توقعت أن يكون وراءها مخطط "إرهابي" لزعزعة الاستقرار بين الطوائف الدينية، وتهيئة الأجواء لحدوث انقلاب عسكري في البلاد.
وتوقعت ذات المصادر أن يكون لهذه الحرائق صلة بالمناقشات الجارية لإجراء تعديلات دستورية وسياسية للانفتاح على الطائفة العلوية، وتلبية عدد من مطالبها في الدولة ذات الغالبية السنية.
وبدأ اندلاع الحرائق في الثامن من الشهر الجاري، ثم توالت إلى أن شهد يوم السبت 13/12 منه اشتعال خمسة حرائق متزامنة في خمسة مساجد في أحياء ساماندرا وكاديكوي وبنديك بإستانبول، أحدثت أضرارا في أثاث بعضها ومحتوياتها، ولم تصب أشخاصا؛ لأنها وقعت في غير أوقات الصلاة.
وقبلها بيوم، وقع حريق في مسجد حاج عاكف، وقال عنه إمام المسجد، مسلم دمير: "قبل الحريق غادرت المسجد بعد أن أغلقت مكيفات الهواء، ثم شاهدت حريقا صغيرا اشتعل في مستودع للمسجد، واتصلت بمركز الحريق الذي تمكن من إخماده، ولكن للأسف بعد أن أتى الحريق على كل الكتب والأثاث والسجاد".
وشهد اليوم الثالث من عيد الأضحى المبارك حريقًا في مسجد بحي عمرانية، إلا أنه تم إخماده بسرعة من جانب فريق مكافحة الحرائق، كما شب حريق في مسجد بحي مالتبه الذي تسكنه طبقة من الأغنياء وعدد آخر من المساجد في أماكن أخرى.
وعلق مفتي إستانبول، مصطفى جاغرجي، على هذه الأحداث بقوله إنه لا يملك معلومات محددة عن أسباب هذه الحرائق، مشيرًا إلى أنه يجب انتظار صدور تقرير الشرطة بشأنها.
من جانبهم أفاد مسئولون في الشرطة بأن هذه الحرائق -التي وصل عددها إلى 19 بحسب صحيفة "جانيشافك"- ليست أعمالا فردية وإنما أعمال منظمة، وطالبوا بدورهم المسئولين في بيوت الجمع العلوية (دور العبادة للطائفة العلوية) باتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها من احتمال تعرضها مثل هذه الأعمال.
بيوت الجمع
وحذر مسئولون من تعرض بيوت الجمع لهجمات مماثلة من قبل مجهولين؛ لزرع الفتنة بين السنة والعلويين على غرار تلك التي حدثت في فترات سابقة، شهدت على إثرها البلاد موجة اضطرابات وصدامات بين أبناء الطائفتين.
ومن أشهر هذه الصدامات أحداث ماراش التي قتل فيها أكثر من 100 شخص في عام 1978، وأحداث تشوروم التي قتل فيها 57 شخصا في عام 1980، وأحداث سواس التي أزهقت أرواح 39 شخصا في عام 1993.
وفي كل هذه الأحداث كانت هناك يد خفية وراء إشعال فتيلها، ظهرت إما في رشق المساجد بالأحجار أو الإساءة للقرآن الكريم أو إطلاق نار على المواطنين، واستغل الانقلابيون العسكر الاضطرابات التي أعقبت هذه الأحداث في تهيئة الأجواء للقيام بالانقلاب في عامي 1980 و1997.
وعلى هذا الأساس، يحذر الكاتب أكرم دمانلي في صحيفة "زمان" التركية من أن حرائق المساجد الأخيرة قد تجر البلاد إلى اضطرابات مماثلة، "وأخشى أن يستغلها الأشرار في إشعال الفتن"، داعيا الشعب التركي إلى الاستفادة من تجارب الماضي.
كما أعربت الطائفة العلوية ذاتها عن قلقها من أن يكون هدف تلك الحرائق هو إشعال فتنة بينها وبين السنة، مؤكدة على لسان أحد وجهائها، علي يرال بأننا "لن نسمح بنجاح أي محاولة لضرب وحدة بلادنا، أو تهيئة الأجواء لحدوث انقلاب عسكري"، بحسب ما نشرته صحيفة "زمان" اليوم الإثنين.
وفي ذات السياق أشار صلاح الدين أوزغندوز، من ممثلي الشيعة في تركيا، إلى خطورة أن تتوجه هذه الهجمات إلى بيوت الجمع العلوية بهدف تحريك الشارع التركي، كما طالب كلا من السنة والشيعة بتوخي الحذر، وعدم الانجرار وراء أي مثيرات للفتن.
وينتشر أتباع الطائفة العلوية في عدة محافظات تركية، من بينها "أرزنجان" و"أغري" و"أرزروم" و"سيواس" و"أزمير" و"إستانبول" و"أنقرة"، ولا تتوافر إحصاءات رسمية عن عددهم.
وللعلويين عدة مطالب لـ"تحقيق المساواة" بينهم وبين بقية الطوائف، وبخاصة الطائفة السنية، منها: إلغاء مادة دروس الثقافة الدينية والأخلاق في المدارس الابتدائية والمتوسطة؛ لأنها تركز على تعاليم المذهب السني، و"تهدد الوحدة الوطنية"، و"تتناقض مع مبدأ الدولة العلمانية" -بحسب تقديرهم- وهو مطلب يلقى تأييدا من الاتحاد الأوروبي.
كما يطالبون بالحصول على مخصصات مالية سنوية من الحكومة، والاعتراف الرسمي بالطائفة، إضافة إلى السماح لهم بتدريس التوجه العلوي في الكليات الدينية.
حملات تضامن
على صعيد متصل، شرع مواطنون أتراك يتسابقون في تحمل تكاليف عملية ترميم مسجد أحمد سوتجي الذي وقعت فيه أضرار كبيرة، وتولى بعضهم حث المصلين عقب الصلوات على التبرع.
ووصف إمام المسجد، جمال أقتاش، للصحفيين هذه الحرائق بأنها "تهدف إلى إفساد وحدة البلاد وزعزعة استقرارها، وجرها 80 عاما إلى الوراء بالعودة إلى الاقتتال الداخلي بين الإخوة"، مؤكدا أنهم "لن يتمكنوا من تحقيق هذه الأغراض المظلمة"، واستشهد على ذلك بـ"التعاون والتضامن الذي أبداه المواطنون لإعادة ترميم المسجد"، قائلا: "قد جمعنا أموالا تزيد 4 أضعاف من التبرعات التي جمعناها في أوقات أخرى".
وللحد من تكرار الحرائق اتخذت إدارة الشئون الدينية- بمثابة وزارة للأوقاف- إجراءات أمنية لحماية المساجد، منها وضع كاميرات مراقبة في كل مساجد إستانبول.
المصدر : الحقيقة الدولية – اسلام اون لاين 22.12.2008
المفضلات