الرجال الذين يعيشون حياة الغربة يتوجعون، نسمع صراخهم وهم يركضون لتحصيل الرزق، يعضون أصابع الندم، لكنهم يتابعون الحياة بقوة، يشتاقون قليلاً، ثم يغطون في النوم العميق، حتى لا يدب فيهم الحنين إلى أوطانهم.
لكن، من يعرف وجع فتيات الغربه، هل نعلم أيّ دمع يذرفن؟
نساء الغربة موجوعات، إنهن مذعورات على مدار الساعة.
للمتغربة أكثر من خوف، ألمها مضاعف. تخشى من ربِّ عملها، ومن زميل عملها، ومن صديق عملها، ومن جارها، ومن سائق التاكسي، ومن البائع، ومن المارة، ومن كل الرجال الذين يحيطون بها.
المرأة المغتربة، المنصرفة بقوة لتثبت جدارتها، تعيش وسط الرعب، وتحاول تأكيد نفسها بأنها موظفة فقط لا غير، أنها عاملة، أنها تستحق هذا الراتب بعرق جبينها.
هي تحارب وسط خناجر من القال والقيل، تخاف من عبارة سيئة السمعة. تعمل كأنها متهمة سلفاً وتحاول أن تدافع عن لقمة عيشها وعن كرامتها،تسعى لتأمين مستقبل ابناءها او عائلتها , وأن تبتلع الإهانة هنا وهناك، من القريب والبعيد.
لنساء الغربة حروب أقسى من حروب رجال الغربة. هي على أكثر من جبهة تقاوم.
تخاف المغتربة أن تبدو لطيفة، فكل لطف يظنه الآخر إغواءً، وكل جمال جريمة، وأي ابتسامة تصبح في نظر الآخرين شيطاناً.
كل غربة انفصام، وللمرأة المهاجرة انفصامات لا تُحصى، تحاول هنا إثبات حقوقها، وهناك إثبات شرفها، وهنالك أنها مسؤولة. موجع أن يكون المرء محارَباً على مدار الساعة.
المرأة المغتربة ترتعب من الرجل المقيم ومن الرجل المغترب. تعاني رجلين. لقمة العيش، أو لقمة الخبز، أو لقمة الرغيف.. كل هذا التعب مغمس بعرق الخوف.
لنساء الغربة، أرفع قبعتي تحية.
لفتيات الغربة، أنحني.
للمطلقات في الغربة، سلام.
للأرامل في الغربة، وردة بيضاء.
للأمهات في الغربة، منديل حرير لكفكفة الدمع.
أيها الرجال المقيمون أو المتغربون: ارحموا امرأة تحاول النجاة لتبقى على قيد الحياة. هي مثلكم غريبة الديار.
المرأة تولد غريبة. فكيف إذا تغربت المرأة بلا وطن، والرجل منفى دائم؟
المفضلات