أ.د خالد المبروك الناجح
أودُّ أن أستهلّ مقالتي هذه بالترحُّم على أفضلنا وأنبلنا وأطهرنا جميعاً شهداء الثورة الأبرار،وبالتّحيّة والعرفان لمن أمدّ الله في عمرهم من رفاقهم الثوّار،وبتهنئة نفسي وجميع الشرفاء بنجاح ثورتنا المباركة، ثمّ بالإشادة بالجهود المبذولة من قِبَل المجلس الوطني الإنتقالي على كافة الصُّعد للتخفيف من آثار الأزمة التي تمر بها بلادنا ومحاولة وضع الحلول السريعة لتدارك العثرات الطارئة التي فرضتها مرحلة ما بعد 17 فبراير، ناهيك عن التركة الثقيلة جدًا التي تفوق كل تصوّر، والتي تتطلّب تكاتف الجهود لمرحلة ما بعد انتصار الثورة للتخفيف من أعبائها على المدى القصير والتنسيق والتخطيط لوضع الحلول الجذرية لها على المدى الطويل، ينطبق هذا على كافة المجالات ومنها موضوع مقالتي هذه ألا وهو قطاع التعليم، فقد كان موقف القائمين عليه بالمجلس الإنتقالي حسبما تناهى إلى سمعي إيجابيًّا وعمليًّا ومراعيًا للجميع هادفًا إلى تخفيف الضرر وإنقاذ العام الدراسي، وأتعشّم أن يترجم هذا في عدم معاقبة الطلبة الذين كانوا يقطنون المناطق غير المحرّرة على استمرارهم في الدراسة مجبرين وإكمال جميع مراحلها، إذ لم يكن لهم خيارٌ في ذلك شأن أقرانهم في المناطق المحرّرة، لذا أرجو من القائمين على قطاع التعليم الاعتداد بنتائج امتحانات مراحل التعليم المختلفة بالمناطق التي كانت ترزح تحت القمع، وأن لا يلتفتوا إلى آراء متطرِّفة متشدّدة وغير منطقية نسمعها بين الحين والآخر عبر القنوات التلفزيونية من بعض المعلّقين يطالبون فيها بإلغاء نتائج تلك الإمتحانات وكأنِّي بهم يريدون معاقبة الطلاب مرتين: الأولى حرمانهم من التفاعل الأمثل مع الثورة رغم رغبتهم الجامحة وقد كنّا شهودًا على ذلك، والثانية بإلغاء نتائج امتحانات عام دراسي كانت مكابدتهم فيه عظيمة نتيجة الظروف النفسية العصيبة التي مرُّوا بها جراء القهر الذي أجبرهم على مواصلة الدراسة.
بالنسبة للطلاب الذين كانوا يقيمون في المناطق المحرّرة فإنّ لي رأيًا مخالفًا هو أبعد ما يكون عن قناعاتي في الظروف العادية، لكن هذا الظرف الاستثنائي يستوجب ان تكون هناك حلولاً استثنائية لإنقاذ العام الدراسي بأخف الاضرار، وهذا ما أتّفق فيه مع زملائي المكلّفين بقطاع التعليم في المجلس وإن كان هناك اختلاف في التفاصيل، فقد رأى الزملاء ان يتم إجراء فصل مكثّف لمدة شهر ونصف يبدأ في سبتمبر تجرى امتحانات في آخر ذلك الفصل يعقبها امتحانات الدور الثاني، لكنني في الوقت الذي أُثمّن فيه عالياً حرص وحسن نوايا المسؤولين الذين اقترحوا هذا البرنامج فإنني أرى أنّ عليه مآخذ أرجو أن تؤخذ في الاعتبار وهي :-
1) المدة المقترحة حتى وإن حملت إسم فصل دراسي مكثّف فإنها غير كافية على الاطلاق لإكمال منهج فصل دراسي وامتحاناته بدوريها، وفي هذا الإطار فإنّها عملياً لن تخرج عن كونها فصلاً شكليًا رغم تيقّني من حسن نيّة من اقترحه.
2) ستكون بداية العام الدراسي الجديد شهر نوفمبر في أفضل الأحوال، ممّا يؤثِّر على الوعاء الزمني للعام الدراسي المقبل الذي يتطلّب زمناً أطول من المعتاد لخصوصيته في لزوم التطوير والتحوير للمناهج.
3) بالنسبة لطلبة الشهادتين الإعدادية والثانوية سيكون من الصعب استذكار ما دُرِّس قبل 17 فبراير خصوصًا إذا ما وضعنا في الاعتبار أنّ برنامجهم سيكون مضغوطًا ومكثّفًا وسيتم فيه تدريس منهج فترتين دراسيتين (الثانية وما قبل الامتحان النهائي).
لذا فإنني أقترح أن يتم إجراء الآتي:-
1) الاعتداد بنتيجة الفصل الدراسي الأول كنتيجة نهائية لامتحانات جميع مراحل النقل في مرحلتي التعليم الأساسي والمتوسّط، ومن لم يُوفّق يُجرى له امتحان دور ثان في منهج ذلك الفصل خلال شهر سبتمبر.
2) الإعتداد بنتيجة الفترة الدراسية الأولى كنتيجة نهائية لامتحانات شهادتي التعليم الأساسي والمتوسّط واعتبار النسبة المئوية المتحصِّل عليها الطالب في تلك الفترة تقديرًا عامًّا له، ومن لم يُوفّق يُجرى له امتحان دور ثان في منهج تلك الفترة خلال شهر سبتمبر (وينطبق هذا على من لم يُوفّق من طلبة المناطق التي لم تكن محرّرة) ولهذا التقييم ميزةً كما سأردف لاحقًا.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّه قد يجادل أحد بأنّ هناك ازدواجًا في التقييم بالنسبة لطلبة الشهادات بما قد يؤثِّر على معايير القبول بالجامعات، لكن ذلك التأثير يُعتبر محدودًا عمليًا لانحسار التنافس في نطاق التواجد الجغرافي، لكن لا بأس إن لزم الأمر أن تُوحّد المعايير لينطبق على المناطق التي لم تكن محرّرة ما ينطبق على المناطق التي كانت محرّرةً خصوصًا إذا وضعنا في الاعتبار ما صاحب امتحانات هذه السنة من تجاوزات وفوضى فاقت ما عهدناه في السنوات الماضية.
3) بالنسبة للمرحلة الجامعية فإنّه يترك لكل جامعة إيجاد الحل المناسب، وهذا هو المنطقي لولادة دولة تحترم استقلالية الجامعات ولا تُعاملها كمدارس مثلما كان الوضع في العهد السابق، على أن تستعين الجامعات التي كانت تقع في المناطق المحرّرة أثناء الثورة بنظيراتها لتتكاتف الجهود لإنقاذ العام الدراسي في كافة جامعاتنا.
كما أسلفت الذِّكر فإنَّ الظروف هي التي فرضت اقتراح هذا الرأي الذي أملت فيه استثنائية أحداث هذا العام التغاضي عن بعض ثوابت الجودة والمثاليّة التي لم تكن وبكل أسف مراعاةً أصلًا في ظل الظروف العادية لعقودٍ خلت، إلّا أنني أرى أنّه عمليًّا يعتبر أفضل من البرنامج الذي طُرِح خصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ تقييم امتحانات الفترة الأولى يُعتبر دقيقًا للتمييز بين طلاب الشهادات إذا ما وضعنا في الحسبان ما يعتري الإمتحانات النهائية من غش لا نستطيع منعه بين عَشِيَّة وضحاها.
لعلّ ما شاب التعليم لعقود يُسَهِّل علينا أن نتقبَّل على مضض ونحن مكرهون عدم دراسة نصف المنهج لهذه السنة الاستثنائية ونحن نضع نصب أعيننا إنقاذ العام الدراسي لنتفرّغ للعام الدراسي القادم في موعده، وأمامنا تحدِّيات كبيرة تتطلّب عملُا دؤوبًا وجهودًا مضنية لإصلاح هذا القطاع الحسّاس.
أرجو من الزملاء المكلفين بقطاع التعليم دراسة هذا المقترح بموضوعيّة متمنّيًا لهم وللجميع دوام التوفيق للنهوض ببلدنا الحبيب ومحو آثار التجهيل والتخريب، والله وليّ التوفيق.
المفضلات