كمال النفس المطلوب ما تضمن أمرين:
أحدهما: أن يصير هيئة راسخة وصفة لازمة لها.
الثاني: أن يكون صفة كمال في نفسه.
فاذا لم يكن كذلك لم يكن كمالا, فلا يليق بمن يسعى في كمال نفسه المنافسة عليه ولا الأسف على فوته وذلك ليس الا معرفة بارئها وفاطرها ومعبودها والهها الحق الذي لا صلاح لها ولا نعيم ولا لذة الا بمعرفته وارادة وجهه وسلوك الطريق الموصلة اليه والى رضاه وكرامته. وأن تعتاد ذلك فيصير لها هيئة راسخة لازمة.
وما عدا ذلك من العلوم والارادات والأعمال فهي بين ما لا ينفعها ولا يكملها وما يعود بضررها ونقصها وألمها ولا سيما اذا صار هيئة راسخة لها, فانها تتعذب وتألم به بحسب لزومه لها.
وأما الفضائل المنفصلة عنها كالملابس والمراكب والمساكن والجاه والمال فتلك في الحقيقة عوار أعيرتها مدة ثم يرجع فيها المعير فتتألم وتتعذب برجوعه فيها بحسب تعلقها بها ولا سيما اذا كانت هي في غاية كمالها فاذا سلبتها أحضرت أعظم النقص والألم والحسرة فليتدبر من يريد سعادة نفسه ولذتها هذه النكتة فأكثر هذا الخلق انما يسعون في حرمان نفوسهم وألمها وألمها وحسرتها ونقصها من حيث يظنون أنهم يريدون سعادتها ونعيمها.
فلذتها بحسب ما حصل لها من تلك المعرفة والمحبة والسلوك. وحسرتها بحسب ما فاتها من ذلك ومتى عدم ذلك وخلا منه لم يبقى فيه الا القوى البدنية الفانية, التي بها يأكل ويشرب وينكح ويغضب وينال سائر لذاته ومرافق حياته ولا يلحقه من جهتها شرف ولا فضيلة, بل خساسة ومنقصة. اذا كان انما يناسب بتلك القوى البهائم ويتصل بجنسها ويدخل في جملتها ويصير كأحدها. وربما زادت في تناولها عليها واختصت دونه بسلامة العاقبة حقيق أن تهجره الى الكمال الحقيقي الذي لا كمال سواه, وبالله التوفيق.
من كتاب الفوائد لإبن القيم الجوزيه
المفضلات