بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى
والصلاة والسلام على خير خلقه الذين اصطفى ،
وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى
يقول المولى عز وجل : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولا سديدا )) ويقول المصطفى صلى الله عليه وعلىآله وسلم: (( من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت )). أما بعد: فإن الواجب على كل مسلم أن يبين الحقائق للناس حتى يسيروا على بصيرة وهدى, وليس على عمى وتضليل, فالحق أبلج كالشمس في رابعة النهار, وهذا أوان الشروع في الموضوع: فإننا نسمع ونرى في هذه الأيام تلك الوريقات والتي شحنت بالأكاذيب والأباطيل و التدليس على البسطاء وقليلي الفهم والعلم من عامة الناس, حول ما يختص بالمولد النبوي الشريف, فوجب على من لديه القدرة على التبيين أن يبين حتى لا يدخل في الوعيد الوارد في طلبة العلم. جهل وقلة علم ! : يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) ، ويقول: (( إياكم ومحدثات الأمور, فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)). قال (( المعارض )) : إن لفظة (كل) الواردة في الحديث من ألفاظ العموم , تشمل جميع أنواع البدع بدون استثناء فهي ضلالة. وبقولهم وتجرئهم هذا هم يرمون علماء الأمة بالابتداع, وعلى رأسهم سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه, فإن قلتم إننا لم نقصد صحابة رسول الله, قلنا لكم : بل قصدتم, وذلك بقولكم ((جميع أنواع البدع دون استثناء)), فإن قلتم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقره على ذلك نقول لكم سوف نأتيكم بأفعال أخرى فعلها الصحابة و التابعون بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم, فهل تتهمونهم بالبدعة و الضلال أم ماذا ؟! فإليكم أفعالهم رضي الله عنهم : (1) جمع القرآن : حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (( قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن القرآن جمع في شئ)). نقول : عمر هو الذي أشار على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن في مصحف حين كثر القتل بين الصحابة في واقعة اليمامة، فتوقف أبو بكر وقال : كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال عمر: هو والله خير( انظر إلى قوله: هو والله خير)، فلم يزل عمر يراجعه حتى شرح الله صدره له، وبعث إلى زيد بن ثابت فكلفه بتتبع القرآن وجمعه، فال زيد: فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل علي مما كلفني به من جمع القرآن ، ثم قال: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ، قال : هو خير . فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري. والقصة مبسوطة في صحيح البخاري. (2) تأخير مقام إبراهيم عليه السلام عن البيت: أخرج البيهقي بسند قوي عن عائشة رضي الله عنه قالت: إن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي زمن أبي بكر ملتصقا بالبيت، ثم أخره عمر . ( أي لما رأى الناس قد كثروا فأراد أن يوسع عليهم ) . قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ولم تنكر الصحابة فعل عمر، ولا من جاء بعده فصار إجماعا، وكذاك هو أول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن. (3) زيادة الأذان الأول يوم الجمعة: ففي صحيح البخاري عن السائب بن زيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم . فلما كان عثمان زاد الأذان الثالث. باعتبار إضافته إلى الأذان الأول و الإقامة، ويقال له أول باعتبار سبقه في الزمان على أذان الجمعة، ويقال له ثاني بإسقاط اعتبار الإقامة. (4) الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي أنشأها سيدنا علي رضي الله عنه وكان يعلمها للناس : ذكرها سعيد بن منصور ، وابن جرير في تهذيب الآثار ، وابن أبي عاصم ، ويعقوب بن شيبة في أخبار علي، والطبراني وغيرهم عن سلامة الكندي. (5) ما زاده ابن مسعود في التشهد بعد(ورحمة الله وبركاته) : كان يقول : السلام علينا من ربنا. رواه الطبراني في الكبير ، ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد. (6) زيادة عبد الله بن عمر البسملة في أول التشهد: وكذا ما زاده في التلبية بقوله: (( لبيك وسعديك ، والخير بيديك ، والرغباء إليك والعمل..)) ، وهو مبسوط في صحيح البخاري، ومسلم . ... إلخ من زيادة الصحابة وعلماء وفضلاء الأمة . فكل هؤلاء ابتدعوا أشياء رأوها حسنة لم تكن في عهد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي في العبادات، فما قولكم فيهم؟ وهل هم من أهل الضلال والبدع المنكرة أم ماذا؟ (( نبئوني بعلم إن كنتم صادقين)) . أما ادعاؤكم الباطل بأنه لا يوجد هناك في الدين شيئا يسمى بدعة حسنة فإليكم أقوال جهابذة علماء الأمة ، والذين يعول على كلامهم، فضلا عن حثالة ليس لها غرض إلا التفريق بين المسلمين وإشعال نار الفتن بينهم، في الوقت الذي نحن فيه بحاجة إلى جمع شتاتهم. 1 - قال العلامة وحيد عصره وحجة وقته، وشارح صحيح مسلم الإمام الحافظ النووي رضي الله عنه في صحيح مسلم (6-2) ما نصه: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( كل بدعة )) هذا عام مخصوص ، والمراد غالب البدع ، وقال أهل اللغة: هي كل شيء عمل على غير مثال سابق، وهي منقسمة إلى خمسة أقسام. وقال كذلك في (تهذيب الأسماء واللغات) : البدعة - بكسر الباء - في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة. وقال أيضا: والمحدثات - بفتح الدال - جمع محدثة، والمراد بها : ما أحدث وليس له أصل في الشرع.. ويسمى في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة، فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما . اهـ 2 - قال أمير المؤمنين في الحديث الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني ، شارح البخاري ، المجمع على جلالة قدره ما نصه : وكل ما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم يسمى بدعة، لكن (منها) ما يكون حسن و(منها) ما يكون خلاف ذلك . اهـ 3 - وروى أبو نعيم عن إبراهيم الجنيد قال: سمعت الشافعي يقول: البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم . وروى الإمام البيهقي في مناقب الشافعي رضي الله عنه ، قال : المحدثات من الأمور ضربان : ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه بدعة الضلال ، وما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من العلماء ، وهذه محدثة غير مذمومة ، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان : نعمت البدعة أنها محدثة لم تكن ، وإذا كانت ليس فيها رد لما مضى . هذا آخر كلام الشافعي رضي الله عنه من تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي (ص 21 ، ج3) في البدع من هذا . اهـ وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رضي الله عنه في آخر كتابه (القواعد) ما نصه : البدعة منقسمة إلى واجبة ، ومحرمة ، ومندوبة ، ومكروهة ، ومباحة . قال : والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإن دخلت في قواعد الإيجاب فواجبة ، وإن دخلت في قواعد التحريم فمحرمة ، أو الندب فمندوبة ، أو المكروه فمكروهة ، أو المباح فمباحة . اهـ فهؤلاء ممن ذكرنا قد قسموا البدعة إلى أقسامها المذكورة . فانظر بالله عليك أخي المسلم : أين قولهم أن لفظة (كل) من ألفاظ العموم تشمل كل أنواع البدع دون استثناء ! . من قول هؤلاء الأئمة وعلى رأسهم الإمام الحافظ النووي حيث قال: إن لفظ (كل) هو عام مخصوص. وأين قولهم: إنه ليس ثم شيء في الدين يسمى بدعة حسنة وقول أئمة المسلمين كما رأيت وعلى رأسهم الإمام الجليل صاحب المذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ، بل وقد تقرر عند العوام فضلا عن العلماء. من قوله صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم : (( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء )) ... الحديث. والمعنى : إنه يسن للمسلم أن يأتي بسنة حسنة وإن لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أجل زيادة الخير والأجر. ومعنى سن سنة : أي أنشأها باجتهاد واستنباط من قواعد الشرع أو عموم نصوصه. وما ذكرناه من أفعال الصحابة والتابعين هو أكبر دليل على ذلك . نشأة الاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم : مهد المغرضون لنشر باطلهم ولو بالتدليس كعادتهم على عامة المسلمين وقليلي الفهم منهم ، حيث قالوا بالحرف الواحد : (( إن الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11 ـ 172) قال : إن الدولة الفاطمية العبيدية المنتسبة إلى عبيد الله بن ميمون القداح اليهودي ، والتي حكمت مصر من سنة (357 ـ 567 هـ) أحدثوا احتفالات بأيام كثيرة ، ومنها الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم . اهـ هذا ما نقلوه عن الحافظ ابن كثير . وحسب المرجع الذي أشاروا إليه نقول لكم : كذبتم والله!! فإننا وجدنا ما ادعيتموه على الحافظ وما نقلتموه عنه إنما هو عين الكذب والافتراء والتدليس والخيانة في النقول عن علماء الأمة. وإن كنتم مصرين على ذلك فنقول لكم: أخرجوه لنا إن كنتم صادقين. وأين أنتم من ادعائكم بأنكم ستناقشون هذه القضية بعدل وإنصاف وتجرد عن كل هوى بل إنه عين التعصب المخزي والهوى الممقوت. فكيف نأمن بعد ذلك - يا أخي المسلم - لمثل هؤلاء في نقولهم عن علماء الأمة.
المفضلات