خطبة الجمعة 19/2/2010
عبدالرحمن ابوعوض
الجاهلية والإسلام
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ؛ أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
لقد عاش الناس قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم في جاهلية ، ولعل أبرز ما يميز هذه الجاهلية هي عبادتهم للأصنام ، وهذه الأصنام كان أول من عبدها على وجه الأرض هم قوم نوح ، قال تعالى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ، و قوله تعالى : " كان الناس أمة واحدة " أي على دين واحد ... كانوا على الحق حتى اختلفوا وعبدوا الأصنام ، فبعث الله نوحاً عليه السلام ، ورغم أنه دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، إلا أنه ما آمن معه إلا قليل ، فأخذهم الطوفان ، ونجا المؤمنون ، وبعد نوح عليه السلام ، جاءت عاد قوم هود ، وجاءت ثمود قوم صالح ، ومن الأقوام أيضاً قوم إبراهيم عليه السلام ، كل هؤلاء عبدوا الأصنام ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعث في قوم يعبدون الأصنام ، ولا شك أن عبادة الأصنام من الشرك والعياذ بالله ، وأما أول من أدخل الأصنام إلى جزيرة العرب عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي حيث كانت العرب على ملة إبراهيم عليه السلام إلى أن قدم عمرو الخزاعي بلاد الشام فرآهم يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله ، فاستحسن ذلك وظنه حقا ً، فقال لهم : ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له : هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا ، فقال لهم : ألا تعطوني منها صنماً فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه ، فأعطوه صنماً يقال له هبل فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه ، ثم لم يلبث أهل الحجاز أن تبعوا أهل مكة لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم ، حتى انتشرت الأصنام بين قبائل العرب ، لذلك جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه - أمعاءه - في النار ، فكان أول من سيب السوائب ، و-السوائب- جمع سائبة وهي الأنعام التي كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شي ، وهذا الصنم ليس الوحيد الذي عبدته العرب في الجاهلية ، فكان هناك اللات والعزى ومناة ، قال تعالى : " أفرأيتم اللات والعزى(19) ومناة الثالثة الأخرى(20)" وكانت اللات صخرة بيضاء منقوشة وعليها بيت بالطائف له أستار وسدنة وحوله فناء معظم عند أهل الطائف وهم ثقيف ...والعزى كانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة وهي بين مكة والطائف وكانت قريش يعظمونها كما قال أبو سفيان يوم أحد لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قولوا الله مولانا ولا مولى لكم " ، وكانت مناة للأوس والخزرج ، ومن دان بدينهم من أهل يثرب ، على ساحل البحر ، وكان من أمر الجاهلية ، لذلك لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى توحيد الله عز وجل وترك الشرك بجميع أنواعه ، سواء عبادة الأصنام أو غير ذلك ، كمن عبد شخصاً ، أو نسب لله الصاحبة والولد ، والعياذ بالله ، قال تعالى : { و لقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } .
والشرك بالله ليس المظهر الوحيد من مظاهر الجاهلية ، فمن مظاهر الجاهلية أكل الميتة ، وإتيان الفواحش ، وقطع الأرحام ، وإساءة الجوار ، وأكل الربا وفعل الزنا ، وتبرج النساء ، مع أن الله عز وجل حرم كل هذه الأفعال قال تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } ، والنبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من أفعال الجاهلية ، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : ساببت رجلاً فعيرته بأمه ، فقال لي النبي صلي الله عليه وسلم : " يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية ، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم " ، أما ما نراه اليوم من جاهلية جديدة عجيبة ، قد لا يعبد الناس فيها الأصنام ، ولكنك تسمع من يسب الله ظلماً وعدواناً ، والله عز وجل قال : { وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } ، وترى تبرج النساء ، وترى أكل الربا ، وتسمع بظهور الزنا ، والخمر يباع في أسواق المسلمين ، وتسمع قذف المحصنات في الطرقات ، بل حتى أركان الإسلام ترى فيها تقصيراً والعياذ بالله ، والواجب علينا أخي الحبيب أن نرجع إلى دين الله عز وجل ، ونترك أمور الجاهلية ، وأن نلتزم بدين ربنا ؛ بدين الإسلام
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، أما بعد :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة " ، وكانت صنما تعبدها دوس في الجاهلية .
ولا شك أن هذا الأمر من أمور الجاهلية والعياذ بالله ، وهو كفر صريح نسأل الله العفو والعافية ، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على ما ستصير إليه أمور الناس ، ولكن بالمقابل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ".
فاحرص يا عبد الله على أن تكون من أهل النجاة ، وإياك أن تكون من أهل الجاهلية والهلاك .
المفضلات