بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:-
أحبتي الكرام إن موضوعي الذي أطرحه بين أيديكم هو نتاج خبرات لكثير من العلاقات التي حصلت عليها مع كثير من الشباب الذين عاشرتهم في هذا العالم الرحب, ووالله إن عبراتي سبقت عباراتي وأنا أكتب هذا الموضوع علني أنتفع به يوم القيامة عند الله جل وعلا ,.
إنه من المعروف بطبيعة الحال أن الله عزوجل ما خلقنا عبثا وما تركنا سدا وما أغفلنا هملا , بل خلقنا لأمر عظيم وخطب جسيم , هذا الأمر عرض على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها إشفاقا ووجلا وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا .
من هذا المنطلق أحبتي في الله لا بد أن أبوح بهذه الكلمات التي أرجو من الله عزوجل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم,,, ومحور كلامي بلا شك عن الشباب والعماد الذي ارتكز عليه في كلامي هو (( كيف هي علاقة الشباب بربهم جل وعلا ؟ )). لا سيما واننا نرى الفتن قد دبت علينا من كل حدب وصوب وأن الغفلة عن الله والجهل به قد زادت واستفحلت في قلوب الكثير من الشباب -إلا من رحم ربك- فما الخلاص والسبيل إلى التبصرة والعودة إلى الطريق التي رسمها لنا ربنا سبحانه وتعالى....؟
نعم إنها التوبة , وما أدراك ما التوبة؟:-
إنها أن تتخلى عن كل الذنوب والمعاصي وأن تندم على كل سالف وأن تعزم على عدم العودة إلى الذنب في مقبل العمر,قال الله:-
- { {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَـاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } التحريم :8 .
ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة , فانفلتت منه , وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وانا ربك – أخطأ من شدة الفرح –"
سبحان الله ... وما أجمل تلك الحكاية التي ساقها ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين حيث قال : " وهذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين أنه رأى في بعض السكك باب قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي , وأمه خلفه تطرده حتى خرج , فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف متفكرا , فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه , ولا من يؤويه غير والدته , فرجع مكسور القلب حزينا . فوجد الباب مرتجا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام , وخرجت أمه , فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه , والتزمته تقبله وتبكي وتقول : يا ولدي , أين تذهب عني ؟ ومن يؤويك سواي ؟ ألم اقل لك لا تخالفني , ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك . وارادتي الخير لك ؟ ثم أخذته ودخلت .
فتأمل قول الأم : لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة .
وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم " الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها " وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء ؟
فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد أستدعى منه صرف تلك الرحمة عنه , فإذا تاب إليه فقد أستدعى منه ما هو أهله وأولى به .
فهذه تطلعك على سر فرح الله بتوبة عبده أعظم من فرح الواجد لراحلته في الأرض المهلكة بعد اليأس منها .
حين تقع في المعصية وتلم بها فبادر بالتوبة وسارع إليها , وإياك والتسويف والتأجيل فالأعمار بيد الله عز وجل , وما يدريك لو دعيت للرحيل وودعت الدنيا وقدمت على مولاك مذنبا عاصي ,ثم أن التسويف والتأجيل قد يكون مدعاة لاستمراء الذنب والرضا بالمعصية , ولئن كنت الآن تملك الدافع للتوبة وتحمل الوازع عن المعصية فقد يأتيك وقت تبحث فيه عن هذا الدافع وتستحث هذا الوازع فلا يجيبك .
لقد كان العارفون بالله عز وجل يعدون تأخير التوبة ذنبا آخر ينبغي أن يتوبوا منه قال العلامة ابن القيم " منها أن المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور , ولا يجوز تأخيرها , فمتى أخرها عصى بالتأخير , فإذا تاب من الذنب بقي عليه التوبة من التأخير , وقل أن تخطر هذه ببال التائب , بل عنده انه إذا تاب من الذنب لم يبقى عليه شيء آخر .
وأعلم أن ملك الموت لا يقبل الوساطة ولا يقبل الهدايا وأن الله يقبل توبة العبد ما لم تغرغر الروح وما لم تطلع الشمس من مغرها فهلا استجبتم لنداء ربكم ....!!!
أحبتي في الله هذا ملخص ما أردت قوله لكم والله أسال أن لا يجعل كلامي هذا صيحة في واد أو نفخة في رماد, هذا والله تعالى أجل واعلم فأن اصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم " مقناص الخير"
المفضلات