بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
" إذا ذلت العرب ذل الإسلام " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 301 ) :
موضوع .
رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 340 ) ، و كذا أبو يعلى في " مسنده "
( 3 / 402 / 1881 ) عن منصور بن أبي مزاحم حدثنا محمد بن الخطاب البصري عن علي
ابن زيد عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا ، و ذكره ابن أبي حاتم في
" العلل " ( 2 / 376 ) فقال : سألت أبي عن حديث رواه منصور بن أبي مزاحم فذكره
قال : فسمعت أبي يقول : هذا حديث باطل ليس له أصل .
قلت : و له علتان :
الأولى : محمد بن الخطاب فإنه مجهول الحال ، قال ابن أبي حاتم في " الجرح " ( 3
/ 2 / 246 ) : سألت أبي عنه ؟ فقال : لا أعرفه ، و في " الميزان " ، و قال
الأزدي : منكر الحديث ، ثم ساق له هذا الحديث ، يشير بذلك إلى أنه منكر ،
و أقره الحافظ في " اللسان " و زاد عليه أن ابن الخطاب هذا ذكره ابن حبان في
" الثقات " ( 9 / 139 ) .
قلت : و توثيق ابن حبان لا يعتمد عليه كما سبق التنبيه عليه مرارا و بخاصة إذا
خولف ! .
الأخرى : علي بن زيد و هو ابن جدعان ضعيف و قد مضى .
و أما قول الهيثمي في " المجمع " ( 10 / 53 ) : رواه أبو يعلى ، و فيه محمد بن
الخطاب البصري ضعفه الأزدي و غيره ، و وثقه ابن حبان ، و بقية رجاله رجال
الصحيح .
فهذا من أوهامه رحمه الله لأن ابن جدعان ليس من رجال الصحيح ، ثم هو ضعيف كما
تقدم ، و منه تعلم خطأ قول المناوي في " فيض القدير " : قال العراقي في
" القرب " : صحيح ، ثم نقل ما ذكرت عن الهيثمي آنفا ثم قال : و رمز المصنف
لضعفه باطل ... يعني أنه صحيح ، ثم ناقض نفسه بنفسه في شرحه الآخر " التيسير "
فقال : قال العراقي : صحيح و فيه ما فيه ! و اغتر بذلك السيد رشيد رضا فقال في
مجلة " المنار " ( 17 / 920 ) : رواه أبو يعلى بسند صحيح .
ثم رأيت الحافظ العراقي يقول في " محجة القرب في فضل العرب " ( 5 / 2 - 5 / 1 )
بعد أن ساق الحديث من طريق أبي يعلى عن منصور به : و محمد بن الخطاب بن جبير بن
حية تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله ، و علي بن زيد بن جدعان مختلف فيه ،
و قد أخرج له مسلم في المتابعات و الشواهد ، و ذكر في الباب المشار إليه أن
محمد بن الخطاب زالت جهالة عينه برواية جماعة عنه ذكرهم ، و لا يخفى أن زوال
جهالة العين لا يلزم منه زوال جهالة الحال ، و على هذا فكلام الحافظ المذكور
يدل على أن الحديث ضعيف عنده للعلتين اللتين ذكرهما ، فهذا التحقيق الذي ذكرته
أنا يجعلني أشك في التصحيح الذي نقله المناوي عن العراقي ، و الحق أنه ضعيف كما
رمز له السيوطي ، و لولا أن في معناه ما يدل على بطلانه لاقتصرنا على تضعيفه ،
ذلك لأن الإسلام لا يرتبط عزه بالعرب فقط بل قد يعزه الله بغيرهم من المؤمنين
كما وقع ذلك زمن الدولة العثمانية لا سيما في أوائل أمرها فقد أعز الله بهم
الإسلام حتى امتد سلطانه إلى أواسط أوربا ، ثم لما أخذوا يحيدون عن الشريعة إلى
القوانين الأوربية ( يستبدلون الأدنى بالذي هو خير ) تقلص سلطانهم عن تلك
البلاد و غيرها حتى لقد زال عن بلادهم ! فلم يبق فيها من المظاهر التي تدل على
إسلامهم إلا الشيء اليسير ! فذل بذلك المسلمون جميعا بعد عزهم و دخل الكفار
بلادهم و استذلوهم إلا قليلا منها ، و هذه و إن سلمت من استعمارهم إياها ظاهرا
فهي تستعمرها بالخفاء تحت ستار المشاريع الكثيرة كالاقتصاد و نحوه ! فثبت أن
الإسلام يعز و يذل بعز أهله و ذله سواء كانوا عربا أو عجما ، " و لا فضل لعربي
على عجمي إلا بالتقوى " ، فاللهم أعز المسلمين و ألهمهم الرجوع إلى كتابك و سنة
نبيك حتى تعز بهم الإسلام .
بيد أن ذلك لا ينافي أن يكون جنس العرب أفضل من جنس سائر الأمم ، بل هذا هو
الذي أؤمن به و أعتقده و أدين الله به - و إن كنت ألبانيا فإني مسلم و لله
الحمد - ذلك لأن ما ذكرته من أفضلية جنس العرب هو الذي عليه أهل السنة
و الجماعة ، و يدل عليه مجموعة من الأحاديث الواردة في هذا الباب منها قوله
صلى الله عليه وسلم : " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم و اصطفى من ولد إسماعيل
بني كنانة ، و اصطفى من بني كنانة قريشا ، و اصطفى من قريش بني هاشم و اصطفاني
من بني هاشم " .
رواه أحمد ( 4 / 107 ) و الترمذي ( 4 / 392 ) و صححه و أصله في " صحيح مسلم "
( 7 / 48 ) و كذا البخاري في " التاريخ الصغير " ( ص 6 ) من حديث واثلة بن
الأسقع ، و له شاهد عن العباس بن عبد المطلب ، عند الترمذي و صححه ، و أحمد ،
و آخر عن ابن عمر عند الحاكم ( 4 / 86 ) و صححه .
و لكن هذا ينبغي ألا يحمل العربي على الافتخار بجنسه ، لأنه من أمور الجاهلية
التي أبطلها نبينا محمد العربي صلى الله عليه وسلم على ما سبق بيانه ، كما
ينبغي أن لا نجهل السبب الذي به استحق العرب الأفضلية ، و هو ما اختصوا به في
عقولهم و ألسنتهم و أخلاقهم و أعمالهم ، الأمر الذي أهلهم لأن يكونوا حملة
الدعوة الإسلامية إلى الأمم الأخرى ، فإنه إذا عرف العربي هذا و حافظ عليه
أمكنه أن يكون مثل سلفه عضوا صالحا في حمل الدعوة الإسلامية ، أما إذا هو تجرد
من ذلك فليس له من الفضل شيء ، بل الأعجمي الذي تخلق بالأخلاق الإسلامية هو خير
منه دون شك و لا ريب ، إذ الفضل الحقيقي إنما هو اتباع ما بعث به محمد صلى الله
عليه وسلم من الإيمان و العلم ، فكل من كان فيه أمكن ، كان أفضل ، و الفضل إنما
هو بالأسماء المحددة في الكتاب و السنة مثل الإسلام و الإيمان و البر و التقوى
و العلم ، و العمل الصالح و الإحسان و نحو ذلك ، لا بمجرد كون الإنسان عربيا أو
أعجميا ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، و إلى هذا أشار صلى الله
عليه وسلم بقوله : " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " رواه مسلم ، و لهذا قال
الشاعر العربي :
لسنا و إن أحسابنا كرمت يوما على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا تبني و نفعل مثل ما فعلوا
و جملة القول : إن فضل العرب إنما هو لمزايا تحققت فيهم فإذا ذهبت بسبب إهمالهم
لإسلامهم ذهب فضلهم ، و من أخذ بها من الأعاجم كان خيرا منهم ، " لا فضل لعربي
على أعجمي إلا بالتقوى " ، و من هنا يظهر ضلال من يدعو إلى العروبة و هو لا
يتصف بشيء من خصائصها المفضلة ، بل هو أوربي قلبا و قالبا !
المفضلات