البحث العلمي تطوره وإنجازاته
يستمد البحث العلمي معناه من العلم بصفته البحث عن المعرفة والحقائق ووصف الظواهر وتفسيرها للوصول إلى نتائج تساهم في تطوير جميع جوانب الحياة. هذا وينظر إلى محاور البحث على أنها وحدات مترابطة متكاملة تبدأ بتحديد المشكلة وتصنيفها ثم وضع الفرضيات للوصول إلى نتائج تؤدي إلى الإجابة على تفسير الفرضيات وتوضيحها حيث أصبح الانسان في الوقت الحاضر بحاجة ماسة إلى معلومات وتوضيحات عن المشاكل التي يواجهها من أجل تمكينه من اتخاذ القرارات المناسبة من أجل تطوير الية التقدم والازدهار وتسهيل عملية الانتاج.
وتكمن أهمية البحث العلمي في امكانية استخدامه في مجالات مختلفة في حل المشكلات الفردية والجماعية التي يعاني منها المجتمع أو من أجل زيادة وتحسين الانتاج الزراعي أو الصناعي أو من أجل تطوير القطاع الصحي أو قطاع الخدمات وبذلك فهو يشكل العماد القوي في رفعة وتقدم الأمم.
ويمكن أن يقف المتتبع على مراحل تطور البحث العلمي على أدوار ومفاهيم ارتبطت بتطور التعليم العام والتعليم الجامعي والتي اشتملت على تطوير المعلم والمنهاج واتباع أساليب التعليم الحديثة من أجل تطوير مهارات الطالب وتعميق مفاهيمه واعطائه معنى حسيا عن طريق تفاعله بعالم الواقع.
ولما كان لمعرفة الماضي دور أساسي في فهم واستكمال الحاضر فإن ذلك يتيح لمن يعمل في مجال البحث العلمي أن يكرس جهوده لمعرفة نتائج وثقافة وحضارة السابقين وأن يكمل السير حيث انتهى إليه السابقون وأن ينتج قواعد متطورة حديثة لا قواعد تقليدية لا تتناسب مع المعطيات الجديدة في نظريات البحث العلمي.
لذلك فإن انجاز الحضارات القديمة يقف شاهداً على ما حققته في مجالات علمية مختلفة سواء ارتبطت انجازاتها بنواحي اقتصادية أو دينية، فحضارة ما بين النهرين تركت لنا شواهد عديدة تدل على تقدم الناحية الزراعية حيث اتجهت هذه الحضارة إلى التطبيق العلمي لما يعود عليها بالفائدة مثل إنشاء أنظمة ري متقدمة ومعرفة أوقات الفيضانات فنتج عنها الحدائق المعلقة وهي دليل كذلك على فن العمارة والبناء التي تتطلب مهارة هندسية في إنشائها.
أما الحضارات المصرية والصينية كان كثير من انجازاتها متصلاً بالنواحي الدينية فإنشاء المعابد و الأهرامات كان ينشأ عن فكرة الخلود ويوم الحساب وبالتالي استرضاء الآلهه التي كانوا يعبدونها. وحضارة الأنباط كانت لها ميزات متقدمة في عدة جوانب من فن عمارة وبناء برك لتجميع المياه في عاصمتهم الجميلة البتراء.
أما الحضارة اليونانية فقد قدمت كماً من المعرفة من خلال علمائها مثل فيثاغورس الذي برع في الرياضيات وهيبوقراط في الطب وارخميدس في الفيزياء وأفلاطون في الفلسفة.
هذا وقد ظهر علماء آخرون في العصر الحديث ساهموا من خلال بحوثهم في مجالات مختلفة في دفع عملية التقدم والنهضة فقد ظهر غاليليو في الفيزياء ونيوتن في الرياضيات وبويل في الكمياء وقد اخترع علماء هذا العصر كثير من الأجهزة والمعدات مثل التلسكوب والميكروسموب وميزان الحرارة والالة الحاسبة و المجهر والنظارات وجهاز قياس الضغط وغيرها.
ومع بداية القرن العشرين فرض البحث العلمي نفسه في كافة الميادين والمجالات التي أصبحنا نلمس اثارها علينا مثل غزو الفضاء وثورة الاتصالات وتطوير الأسلحة المدمرة من قبل الدول المتقدمة والتي أصبح وجودها يعتمد على مدى تقدمها في البحث العلمي في المجالات المختلفة ومدى ما حققته من تفوق وتقدم في تلك المجالات لارتباط ذلك بأمنها وتقدمها الاقتصادي وقد بدأ التنافس في الانفاق على البحث العلمي يزداد بعد الحرب العالمية الثانية وتسارع بشكل كبير عندما اطلق الروس قمرهم الصناعي الأول عام 1957 الأمر الذي أدي إلى ردة فعل عنيفة لدى أمريكا التي لم ترضى أن يتقدم عليها أحد فتم على ذلك زيادة الانفاق على البحوث وانشأت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) التي أخذت على عاتقها مهمة انزال أول انسان على سطح القمر بحلول عام 1970 ومن أجل تحقيق هذه المهمة فقد جندت الآلاف من العلماء والخبراء في كافة التخصصات وفتحت بحوثهم ودراساتهم مجالات جديدة أدت تطبيقاتها إلى احداث ثورة علمية وتكنولوجية انعكست على الحياة المدنية بشتى فروعها.
إن التقدم في البحث العلمي يساعد على تنمية أداء المجتمع وتقدمه في جميع الخدمات لكن هذا يحتاج إلى تكاتف وتعاون جميع العناصر فعلى الجامعات يقع العبء الأكبر من خلال توفير المختبرات والمعدات وتشجيع أعضاء هيئة التدريس بالبحث عن المشاكل التي تعيق التنمية، كذلك يجب المشاركة بالندوات والمؤتمرات لكسب خبرات وتبادل المعرفة والنشر في المجلات العلمية ذات المستوى الرفيع حيث أن هناك كثير من البحوث التي يقوم بها أسانذة الجامعات الكرام هي ذات قيمة محدودة تهدف في كثير من الأحيان إلى الوصول إلى الرتبة الأكادمية. والدولة والقطاع الخاص أيضاً مطالبين بدعم العلماء والأبحاث وتسخير جميع التسهيلات من أجل الوصول إلى تقدم وازدهار في كافة المجالات الفردية والجماعية.
المفضلات