ولأن الناس على دين رؤساء وزرائهم ، فقد قبلت دعوة حبيبة كي أذهب الى ما ذهب له الرئيس سمير الرفاعي فحثيت الخطى الى سينما "برايم " التي شهدت الوقيعة بين غزاة من جماعة الجو الذين هبطوا على شعب "النافي" .. ورأيت فيما يرى العالم فيلما يخلب الألباب ويفتح للعقول المقفلة كعقلي الأبواب ، الفيلم القنبلة ، الانفجار ، الزلزال ، انه فيلم " أفاتار " الذي يحتار في صنعته الصغار والكبار والعجوز والختيار ، فهو فلم طبخه المخرج المبدع "جايمس كامرون " على مدى سنين خمس بأحدث تقنيات التصوير ، حتى جاء وقت العرض فشق الأرض بالطول وشقها بالعرض فحطم الأرقام القياسية في شباك التذاكر وتجاوز حتى اليوم حاجز ملياري دولار ونصف أي ضعف عجز ميزانية الأردن !
حتى إن من بواكير مواعيد الرئيس الرفاعي كان موعده مع هذا الفيلم الذي يأتي على الحديث عن " عشيرة فارغ الرأس " وبطل "جاك سلو " الذي يلعب دوره الممثل "سام روثنغتون " الذي دخل الى عالم البطولة السينمائية لأول مرة استكمالا لدور شقيقه في الفيلم بعد انتهاء حياته الوظيفية فسطع كنجم الموسم .
في المقابل فهناك العشائر الأرضية في كوكب " باندورا " وإلههم " إيوا " الذي سينتصر أخيرا بفضل عزيمة شعوب الكوكب الذي غزاه المستثمر " جيوفاني ريبيسي " بجيش من المرتزقة ... ليرحلهم عن جنتهم ويخرجهم من أرضهم لأن تحتها كنوز ثمن الكيلو ٢٠مليونا من الدولار ، وهم يحتفظون بقدرات هائلة تسخرها لهم الأم الكبرى ومصدر الطاقة الهائل .
لم يكن الرئيس مخطئا حينما ذهب ليشاهد الفيلم الذي أكتسب لقبا أردنيا هو" فيلم الرئيس " ، بل أحسبه صاحب ذوق رفيع في اختيار ما يشاهده وما تقع عليه عيناه ، ويملك إحساس مرهف فيما يريد وما لا يريد وفيمن يريد وفيمن لا يريد من الجنود المجندة الذين يدخلون معاركه القادمة .
حتى كرسي الرئيس هناك والذي جلس عليه كان مميزا في صف v i p فلونه الأحمر القاني لا يقترب منه إلا من يدفع ثمنا أغلى ليشاهد المعركة بين الخير والشر ، بين الطبيعة البريئة وبين الوحوش الضارية ، بين أهل الأرض المساكين الذين يعيشون ببساطتهم ويتبولون تحت الشجرة العظيمة التي تخفي تحتها كنوز الأرض وبين القوات العاصفة المدججة بالطائرات القاصفة والقوات المجوقلة ومشاة المرتزقة والجرافات العملاقة المجنزرة التي دمرت لهم " شجرة الحياة " .
كل ذلك في ذلك الفيلم الذي أدعو الجميع لمشاهدته والتفكر بمعانيه وملاحظة خطبة القائد المرتزق في جنوده الغزاة وهو يتحدث لهم بصوت متهدج وبلكنة ولغة " جورج بوش تماما " الذي يبرر سياسة الأرض المحروقة والعشائر المسروقة وإفناء شعب باندورا مبررا ذلك بأنهم إرهابيون متخلفون يقتلون الغير ، و يجب معاقبتهم لأنهم حاولوا مقاومة جيش الغزاة بعد أن جاءوهم ليغيروا عاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم .
يا شعبنا العظيم إن الرئيس قدوة فاقتدوا به واذهبوا الى السينما وشاهدوا كيف يفكر الغزاة الرأسماليون ، وكيف يقاوم الشعب المجاهد ضد الظلم والعدوان والتفكيك والتدمير وسرقة مقدراتهم وسلب حرياتهم .. كيف تهزم القوس ونبالها جيوش الأعداء وأرتالها .. كيف يأبى الحب أن يتحول الى خيانة حتى لو كان الحبيب غريبا والحبيبة من بلاد غريبة .. كيف يهزم الحق القوة ، كيف تحارب الأشجار والطيور والذئاب والخيول مع أهل الأرض من رجال ونساء ضد جحافل الأعداء.
لقد علمنا التاريخ ان الجيوش لا تزرع الياسمين ولا توزع الورود ، بل أن أهل البلاد من الحراثين الفلاحين هم من يزرع الفرح في بيوت الناس لذا كان نعتهم مشتق من الفَلاَح ، فقد افلح الزارعون في الصمود على الحدود بين منصب الحاسد وأرض المحسود ، إنهم الذين يمتلكون إرادة التغيير وقوة الحق ووجاهة المنطق وهم الذين يفرضون إرادتهم في نهاية الأمر إذا تكاتف الجميع كما تكاتفت عشائر أهل الخيول في السهول وعشائر الساحل مع عشائر أهل الوادي العظيم بقيادة " توروك ماكاتو " فلقنوا الطامع المعتدي درسا في انكسار الشرّ مهما تمرد وطغى وحرك قوات التدخل السريع و سلاحف الجو التي حاولت أن تروج لنفسها عند شعب تلك الأرض لتدجنهم ، فافتتحوا لهم مدرسة وعلموهم اللغة الإنجليزية وحاولوا استمالتهم بما يستطيعون دون جدوى لأنه باختصار " الأرض بتتكلم عربي " على رأي سيد مكاوي .
في التاريخ هناك حادثتان أتذكرهما : الأولى وقعت مع الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان بعد أن شاهد فيلم "رامبو" للممثل سلفستر ستالون ، فريغان قال حينها جملته الشهيرة " اليوم عرفت كيف يحكم العالم " ،، علما إن ريغان كان ممثلا سينمائيا في شبابه .
الحادثة الثانية كانت مع الرئيس السابق بوش حينما استقبل الممثل " بروس ويلس " وأشاد به قائلا " يعجبني فيك عنادك وإصرارك على إنهاء معاركك منتصرا في جميع أفلامك " .
وماذا عن أفلامنا نحن ؟ الى متى نبقى نستيقظ مذعورين دائما ، قبل أن تكتمل أحلامنا ،، وقبل ان نستمتع بتصفيق الجماهير على قيام المارد البطل من تحت رماد الواقع البائس لينثر الياسمين ورذاذ المطر على وجه الواقع المكفهر ، الى متى لا يكتمل لنا حلم جميل ، ولا مشروع فضيل ، متى سنشاهد فيلما بعنوان " وقت الفرح " .. أنا شخصيا اعتقد إنه جاء الوقت لإنتاج فيلم أردني جديد ليحطم أضلاع " أفاتار " ويطلق عليه أسم " بعد أن تعود قلة الأكل مات " ، وليكن هناك ممثلون جادون على الأقل يجيدون فن التمثيل جيدا ، ومخرج فنان ، تنطلي أفلامه على الأردنيين الذين لا زالوا يبحثون عن إجابة عن السؤال المحير :
لماذا عقلة باع البقرات او "الوطاه" .. في المسلسل الأردني المشهور الذي نسيت أسمه ، هل تعرفونه ؟
فايز الفايز
المفضلات