ماذا أفعل ؟ أين أذهب ؟ لدي فراغ كثير . خلوت بنفسي ، وتركت أهلي وأصحابي ، وأنا أفكر ماذا أفعل ؟ خطرت لي خاطرة ، عزمت على فعلها وكانت الخاطرة سيئة ، أغلقت الأبواب واطفأت الأنوار وخيم الظلام في غرفتي وقلت للمعصية (هيت لك) فسمعت صوتا ينشد يقول : أسفا لعبد كلما كثرت ذنوبه قل استغفاره ، وكلما قرب من القبور قوي عنده الفتور
يا مدمن الذنب أما تستحي ، والله في الخلوة ثانيكا ، غرك من ربك امهاله وستره طول مساويكا ، فانبهت وخفت وتلفت حولي وأخذت أردد يا ويلي من صاحب الصوت ؟ ماذا أفعل ؟ هل اطلع علي أحد ؟ ثم رأيت شيئاً لا أستطيع وصفه ، فقمت خائفا وفتحت الأنوار فرأيت شيئأ أسود لا أستطيع وصفه .
قلت : من أنت ؟
قال : انا الضمير
. قلت : وما سبب مجيئك إلي في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟
الضمير: جئت لأنصحك وإن كان النصح لا يقبل مني ولكن ( الحق ما شهدت به الأعداء )
قلت : هيا تكلم ماذا عساك أن تقولي
الضمير: هل تظن أنك وحيد هنا ؟
قلت : وماذا وراء هذا السؤال ؟
الضمير: إني رأيتك مطمئنا أثناء فعل المعصية ، وكأنك أمنت من حساب الله تعالى ، قلت غاضبا : هذا ليس من شأنك ولا أحب أحداً أن يتدخل في أمور حياتي
الضمير: لقد قلت لك إني ناصحة ويبدو أنك لا تريد النصيحة
ثم تحرك الضمير خارجا من الغرفة وهويقول:
توارى بجدران البيوت عن الورى
وأنت بعين الله لوكنت تشعر
وتخشى عيون الناس أن ينظروا بها
ولم تخشى عين الله والله ينظر
فتدبرت ما قال وتأثرت به نفسي وقلت: كرر علي ما ذكرت فأعاد الكلام علي حتى ندمت على ما كنت ناويا فعله
فناديت قائلا : تعال ايها الضمير وهات ما عندك .
الضمير : وشرطي أن تسمع ما عندي ولا تكن متكبرا علي وعلى نصحي
قلت : تفضل
الضمير: إني أراك كثيرا ما تخلو بمعاصي الله وهذه صفة سيئة تفسد عليك علاقتك بالله تبارك وتعالى وتبطل أعمالك كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله عزوجل هباءً منثورا) قال الصحابي ثوبان : يا رسول الله صفهم لنا ، جلهم لنا ، ألا نكون منهم ونحن لا نعلم ؟ قال : أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلو بمحارم الله انتهكوها . قلت : إنه لحديث خطير
الضمير: نعم ولهاذا أشفقت عليك وأردت نصحك قبل أن تكون أعمالك هباء منثورا ، فالحق بنفسك يا عبدالله .
ثم قال : وكما أن فعل السيئة في الخلوة يفسد علاقتك بالله فكذلك تفسد علاقاتك بالناس
قلت: ولكن الناس لا يعلمون أني أفعل المعصية ؟ فكيف تفسد العلاقة بهم ؟
االضمير : هذا ما حكاه الصحابي أبو الدرداء حين قال (إن العبد يخلو بمعاصي الله ، فيلقي الله بغضبه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر) فانتبه لنفسك يا عبدالله ، واحكم زمام هواك ،فلا تفلته إلا لرضاء مولاك . قلت : ولكني إن عصيت الله فإن أكثر أعمالي السيئة صغيرة ولا أعتقد أنها تؤثر في صحيفتي يوم القيامة . الضمير : لا تكن كتلك المرأة الجاهلة التي تركت الغزل بحجة أنه ماذا يفيدها نسيج خيط على خيط كل ساعة . وما علمت هذه الجاهلة أن ثياب الدنيا قد اجتمعت خيطا خيطا . وأنا يائس، لكني أعلم منك بمدى تأثيري بصحائف الخلق يوم القيامة ، وكما قيل : (النملة أعلم بما في بيتها من الجمل بما في بيت النملة)قلت متسائلا : أين أنا من هذه المفاهيم ؟ لقد كنت في غفلة عمياء و إني غررت بالدنيا والله
الضمير: تحرك يا عبدالله وما زال في الوقت متسع لتعوض تقصيرك بحق ربك
فأذا بصوت
قلت : من
قالت انا السيئة ، أنا سبب هلاكك يوم القيامة ، أنا سبب بغض العباد لك في الدنيا ، أنا سبب محق البركة من عملك ، أنا سبب ضعف حفظك وعلمك . قلت مقاطعا : وكل ذلك من آثارك .
السيئة : بل وأكثر من ذلك ، فإنه يكفي أن من آثاري أن تولد السيئة السيئة ، كما أخبرنا بعض السلف عندما قالوا : (إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، وإن من عقاب السيئة السيئة بعدها)
قلت : وما العمل الآن ، وقد نويت فعل السيئة وأحكمت غلق الأبوب والنوافذ .
الضمير :
اعلم أن العبد إذا نوى السيئة فلم يفعلها فإنه تكتب له حسنة ان تركها من أجل الله كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (من هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة) فتب إلى الله يا عبدالله ، واستغفر لذنبك ، فإن الله غفور رحيم وأحكم غلق الأبواب والنوافذ و أطفئ الأنوار في غرفتك ولكن لطاعة الله تعالى فإن سيئة السر تمحوها حسنة السر (وهذه بتلك).
تذكرت قصة ابراهيم بن الادهم والرجل
أتى رجل إبراهيم بن أدهم – رضي الله عنه – فقال : يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي ، فاعرض علىّ ما يكون لها زاجراً ومستنقذاً.
فقال إبراهيم: إن قبلت خمس خصال ، وقدرت عليها لم تضرك المعصية.
قال: هات يا أبا إسحاق.
قال: أما الأولى: فإذا أردت أن تعصي الله تعالى ، فلا تأكل من رزقة!
قال: فمن أين آكل وكل ما في الأرض رزقه؟
قال: يا هذا! أفيحسن بك أن تأكل رزقه وتعصيه؟!
قال: لا... هات الثانية.
قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئاً من بلاده؟
قال: هذه أعظم ، فأين أسكن؟
قال: يا هذا! أفيحسن بك أن تأكل رزقه ، وتسكن بلاده ، وتعصية؟!
قال: لا... هات الثالثة!
قال: وإذا أردت أن تعصيه ، وأنت تأكل رزقه ، وتسكن بلاده ، فانظر موضعاً لا يراك فيه فاعصه فيه؟!
قال: يا إبراهيم! ماهذا؟ وهو يطلع على ما في السرائر؟
قال: يا هذا! أفيحسن بك أن تأكل رزقه ، وتسكن بلاده ، وتعصيه وهو يراك ويعلم ما تجاهر به وما تكتمه؟!
قال: لا.. هات الرابعة.
قال: فإذا جاءك الموت ليقبض روحك ، فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحاً ، وأعمل لله صالحاً!
قال: لا يقبل مني؟
قال: يا هذا! فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب ، وتعلم أنه إذا جاءك لم يكن له تأخير ، فكيف ترجو وجه الخلاص؟!
قال: هات الخامسة!
قال: إذا جاءك الزبانية يوم القيامة ، ليأخذوك إلى النار ، فلا تذهب معهم؟
قال: إنهم لا يدعونني ، ولا يقبلون مني ..
قال: فكيف ترجو النجاء إذن؟
قال: يا إبراهيم ، حسبى ، حسبي ، أنا أستغفر الله وأتوب إليه..
فكان لتوبته وفيّاً ، فلزم العبادة ، واجتنب المعاصي حتى فارق الدنيا..
((لا تجعل الله اهون الناظرين اليك))
ما اتا في الموضوع من تقصير فمن نفسي وما أتا من خير فمن الله
لا تنسونا من الدعاء
المفضلات