كنت أقرأ في سيرة عبدالله بن المقفع الأديب المعروف صاحب كتاب " كليلة ودمنة " وحين وصلت للنهاية اقشعر جسدي .. لقد كانت نهايته مؤلمة فظيعة إلى أبعد حدود فلقد قال له سليمان بن معاوية والي البصرة آنذاك : لأقتلنك قتلة لم يشهدها العالمين .. فقطع أعضاءه قطعة قطعة ورماها في تنور يشتعل
تعجبت كيف ترسب الشر في قلب ذلك الوالي حتى استطاع أن يفعل مثل هذه الفعلة الشنيعة التي تجردت من الإنسانية فصار قلبه كالحجارة أو أشد قسوة أيا كانت الأسباب الداعية لذلك
هي فعل من أفعال الطغاة عبر الزمان والمكان الذين تسكنهم الشرور بلا هوادة ابتداء بنيرون الذي أحرق روما فأحرق معها شعبه ومرورا بكل الطغاة الذين تسكن أسماءهم في مزبلة التاريخ كجنكيز خان وستالين وموسوليني وهتلر ورفاق الشر كلهم ومرورا بهاري ترومان الرئيس الأمريكي الذي أمر فألقيت " الطفل الصغير " و" الرجل السمين " قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناجازاكي فظن أهلها أن القيامة قد قامت من هول الموقف فذهب إلى القبور مائتي ألف أو يزيدون وعاش مشوها ما يقرب من ذلك الرقم وانتهاء بكل سفاح وطاغية كانت آلة القتل ساكنة في داخله
سقت تلك البداية التي لم أكن أتمنى ذكرها لأنها لحظات شوهت التاريخ بأفعالها .. ذكرتها كي نعلم أن هناك نفوس يسكنها الشر ابتداء وانتهاء عاشوا عليه وماتوا عليه لم تغيرهم المواقف والأحداث بل زادتهم طغيانا وظلما .. ولا يزال أمثالهم يعيشون بيننا مع اختلاف الطريقة والآلية التي يعبرون من خلالها عن شرورهم بل البعض تجدهم يتوارثون الشر
في المقابل هناك شر طارىء قد يرتكب صاحبه الشرور بأنواعها ولنأخذ مثلا ما حدث في رحلة ماجلان الإستكشافية فقد خرج مستكشفا يريد الوصول إلى جزر الملوك وذات صباح حين جلس فرديناندو وبحارته عند أحد الشواطىء لتناول طعام الإفطار شاهدوا نوعا من الحجارة غريبة عليهم وحين وضعوا عليها سيوفهم كان تأثيرها عجيبا في جعل السيوف حادة ومسنونة وحتى يعرفوا قوة حدتها ما كان منهم إلا أن هجموا على القرية وقتلوا من قتلوا منها لتجربة تلك السيوف .. فجأة غلبت النزعة الشيطانية على النفس الهادئة الوادعة فكانت النتيجة شرا مستطيرا
ويبدو أن في داخل نفس كل واحد منا شيطان مريد يستطيع في لحظة أن يشعل فتيل نار بداخله فتأخذه إلى درب الأشرار
وأولئك الأشرار الذين ذكرتهم في صدر طرحي كان دافعهم الملك والأطماع والأحقاد كي يلوثوا التاريخ بافعالهم
وهناك من تثور لديه النزعة الشيطانية من أجل شهوات طاغية ونزوات ثائرة فيتحول في غمضة عين إلى شرير
وكثيرا عندما تأتينا الأخبار عن واحدا ممن نعرفهم بأنه ارتكب شرا أو حماقة من الحماقات تكون ردة فعلنا " فلان ما يسويها .. فلان إنسان طيب "
هو حقا طيب لكن غلبه شيطان الشر في لحظة فتحول بسهولة إلى شرير .. ربما تكون الدوافع ظلما وقع على النفس .. ربما تكون اعتداء أيا كان شكله جسديا أو نفسيا .. ربما خيانة دفعته للإنتقام .. قد يدفعك المجتمع الذي تعيش فيه لكي تكون شريرا .. وربما أسباب لا نفهمها ولا نعيها ولا يدركها إلا صاحبها .. وربما أسباب غير منطقية ولا مقبولة
أيا كان الأمر فهل التحول إلى الشر يكون هو الحل أم أنه يأتي لا إراديا في بعض الأحيان فتجد نفسك مندفعا لإرتكاب فعلا من أفعال الشر كردة فعل طبيعية لما يجري لك ؟
لقد وصلنا إلى المحطة الأخيرة وهي آراءكم النيرة فأخبروني يا رعاكم الله
ما الذي يجعل من الإنسان الهادىء الطيب يتحول إلى شرير ؟
وهل حدث لك موقف ارتكبت شرا أو وددت أن ترتكب كردة فعل لموقف تعرضت له ؟
وهل نستطيع ترويض النفس حين تنتابها لحظة شر ؟ وكيف ذلك ؟
وهل عرفت انسانا كان طيبا معك ثم رأيت وجها مختلفا منه ؟
وأخيرا هل حقا من السهولة أن يتحول الإنسان إلى شرير ؟
وطنوا أنفسكم أيها السادة أن تمتلىء نفوسكم بالطيبة ما استطعتم إلى ذلك سبيلا فالشر لا يقود إلا إلى شر مثله والنار يطفئها الماء لا نار مثلها ولا زيت يزيدها اشتعالا
المفضلات