تشير الوثائق القديمة سواء من خلال مخطوطة الفرعون ''تحتمس الثالث'' في القرن الخامس عشرقبل الميلاد، والواح تل العمارنة الى كونها من اقدم وأعرق مدن العالم، وبعد 300 عام من الاحتلال الفرعوني دخلتها قبيلة فلسطينية لتصبح غزة فيما بعد مركزا اسلاميا مهما بوجود قبر الجد الثاني للرسول ''صلى الله عليه وسلم''هاشم بن عبد مناف، وعرفت بالتاريخ الحديث بانها ثاني اكبر مدينة فلسطينية بعد القدس، تتمتع بموقع فريد بين قارتي آسيا وافريقيا، أهل كرماء وشاطىء جميل جعلها ''عروس البحر''، ومركزا رائجا للتجارة والسياحة ومطمعا للغزاة عبر العصور .، فيما اختيار طائر''العنقاء'' الاسطوري شعارا لها فيرمز للقوة والخلود .
ثمة تاريخ آخر تسطره غزة المدينة وغزة القطاع بمدنه ومخيماته، ارض خصبة بالمقاومة والصمود والتحدي في مواجهة اشرس حرب دموية منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، .يدون في قاموس نضالها..شهداء وجرحى، ثكالى وارامل ، ايتام ومفقودون، صواريخ اقتنصت أطفال ،حرمتهم من الحياة ،واحلام شباب قطّع القصف اوصالهم، تمزقت أمانيهم في مستقبل جميل كما أجسادهم التي تناثرت على ارصفة العزة، وعيون أمهات اغمضت قسرا فلم تعد تترقب عودة الابناء . موعد جديد مع الموت كل يوم ..تدوي صرخات ام مكلومة ''فقدت بناتي الخمس، ولم يتبق لي سوى ثلاثة ابناء'' ويقول الاب بأسى ووجه غارق في الدموع :'' لقد كنت نائما ساعة قصف المنزل،فهل كانت الصغيرات يقاتلن اليهود، ما الذنب الذي اقترفنه .''
وتضيف ابنة كتبت لها النجاة باعجوبة:''طلبت من اخواتي الخمس ان ينطقن بالشهادة، وقلت لهن بأننا سنموت جميعا، اما ''خليل 8سنوات '' الذي مايزال يعيش صدمة استشهاد أحد أصدقائه بغارة اسرائيلية على مدرستة وهي تابعة لوكالة الغوث''الاونروا'' فيقول : اليهود يريدون قتل الاطفال في غزة، يريدون ان نموت جميعا''، ومابين سؤال شقيقين جرحى عن امهما التي استشهدت وعمهما الذي لحق بها فيما بعد، و طفل لم يتم التعرف عليه من بشاعة المنظر الذي خلفته قنابل الحقد، تتوالى حرب الابادة، وتتصاعد وتيرة الصمود تقول نساء .. مهما فعلوا بنا، سنبقى، هذه ارضنا وماهو الذنب الذي ارتكبناه حتى يتم سحقنا بهذ الشكل المريع؟ ويقول رجال بثبات نحن صامدون، حتى لو متنا من الجوع وبرصاص الاحتلال..
وتقدم طفلة اردنية صورة حية لصمود لم تر شخوصه على شاشات التلفزة، بل من خلال ماحدث مع خالتها التي تعيش في القطاع وتقول ''مي ماهرالدغس'' بالصف السادس الابتدائي: (دمر القصف الصاروخي قبل ايام منزل خالتي ب''الكامل'' في مخيم النصيرات، فاضطرت للانتقال الى مدينة غزة حيث بيت ابنها، لتجد الظروف هناك اقسى فقد تم قطع التيار الكهربائي، وكانت الزوجة في حالة وضع ، لتنجب طفلا في الظلام الدامس وتحت دوي المدافع، الناس هناك اقوياء، لايخافون، صامدون ولكن ماذنب الصغار ليعيشوا كل هذا الرعب الذي لايحتمله الكبار؟! عمليات عسكرية غير مسبوقة هكذا يصفها المركز الفلسطيني لحقوق الانسان ،تغتال الطفولة والاحلام الجميلة لشعب من حقه ان يعيش وان يحلم..ومن حق اطفاله ان يلعبوا،، يقرأوا ويستمتعوا بمشاهدة افلام الكرتون كغيرهم من اقرانهم في العالم، لقد بدلت الغارات ايامهم الى لحظات فزع وليالهم إلى كوابيس مرعبة، وأدخلت مفردات مثل''يهود، طخ، صاروخ، شهيد، جريح، اسعاف'' قاموس طفولة غضة، فيما يؤكد أطباء بوجود انعكاسات لهذا الرعب في صورة امراض عضوية ونفسية سيعاني منها الصغار في الايام القادمة..
صمود اسطوري كعهد هذه المدينة التي وقفت في وجه الغزاة منذ فجر التاريخ ، تتحول المستشفيات الى ميادين، تتداخل فيها المهام، فالاطباء والممرضون والمتطوعون والاهالي في خندق واحد، ضاقت الاسرة ونفذت المستلزمات الطبية، وافترش الشهداء والجرحى الارض ،ولم يتبق الا الصبروالثقة بالله والامل بالوطن والامة التي لن تخذل منتسبيها، تعاطف الشعب العربي في كل مكان، وفي الاردن الاقرب انسانيا وتاريخيا وجغرافيا تكاثفت الجهود لنصرة اخوة اعزاء يتعرضون لابشع حرب، ومابين تبرعات بالدم والمال، مسيرات واعتصامات، لم تغفل مسجات موبايل أهمية الدعاء لهذا الشعب الصامد في حرب غير عادلة .
وبضمن الهبة لنصرة الاشقاء في غزة، كان لبعض الاطفال طريقة خاصة في التعبير عن مشاعرهم ...هناك من دون كلماته في دفتر خاص، البعض ضمنه مجلة الحائط في المدرسة ، ونقرأ ل''شهد الشوبكي'' بالصف الخامس احزنني ما حدث كثيرا، اتمنى ان اساعدكم بكل ما استطيع، ادعو لكم دائما، مدرستنا بدأت في جمع التبرعات لكم ..اتمنى ان تصلكم . وكتب ''مصطفى عامر'' بالصف السادس : من الصعب ان اصف مشاعري، فما اراه على شاشة التلفاز، فظيع جدا ، اتمنى من كل الناس مساندتكم ودعمكم، لقد تبرعت وزملائي من اجلكم، هذا أقل ما نفعله . وتساءل ''مثنى العبادي'' بالصف التاسع من حق الطفل الفلسطيني ان يعيش ، وان يستمتع بحياته كالاخرين، مهما قدمنا سنبقى مقصرين اما م ما يحدث. ربما كثيرون كتبوا، وسيكتبون، الاهم ان الاجيال القادمة ستتعرف على تاريخ مشرف يضيف مزيدا من الصمود والبطولة والتحدي لغزة هاشم العصية على الخنوع ....
المفضلات