بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
شروط لا إله إلا الله :
هذه الكلمة العظيمة التي هي سبب لدخول الشخص في الإسلام لها شروط سبعة يعلق انتفاع قائل هذه الكلمة بها ، وقد دلت على هذه الشروط نصوص الكتاب والسنة ، وليس المراد حفظها وذكر ألفاظها ، ولكن المقصود مراعاتها والتزامها ، فقد تجتمع في شخص ولا يحسن تعدادها ، وقد يحفظها شخص آخر ويقع بما يناقضها .
الأول : العلم المنافي للجهل :
والمراد العلم بمعناها المراد منها نفيا وإثباتا ، قال الله سبحانه : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } ( محمد الآية : 19 ) ، وقال : { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ( الزخرف الآية : 86 ) أي إلا من شهد بلا إله إلا الله وهم يعلمون بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم ، وقال تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ( آل عمران الآية : 18 ) .
الثاني : اليقين المنافي للشك :
بأن يكون قائلها مستيقنا بمدلول هذه الكلمة يقينا جازما ، لا يدخل فيه الظن أو الشك ، قال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } ( الحجرات الآية : 15 ) ، فاشترط سبحانه في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا أي لم يشكوا .
وفي الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة » .
الثالث : القبول المنافي للرد :
والمراد القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه وعمله ، ورد ما سوى ذلك مما ينافي هذه الكلمة ، خلافا لمكذبي رسل الله الذين أخبر الله عنهم بقوله : { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } ( الزخرف الآية : 23 ) ، وقال تعالى في وصف الكافرين : { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ }{ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ } ( الصافات الآية : 35 - 36 ) .
وفي الصحيح عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلَّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به » .
الرابع : الانقياد المنافي للترك :
والمراد الانقياد لما دلت عليه من إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه ، قال - عز وجل - { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } ( الزمر الآية : 54 ) .
وقال تعالى : { وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } ( لقمان الآية : 22 ) ، أي بلا إله إلا الله ، ومعنى يسلم وجهه ينقاد وهو محسن .
الخامس : الصدق المنافي للكذب :
وهو أن يقولها صادقا من قلبه يواطئ قلبه لسانه ، قال تعالى : { الم }{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } ( العنكبوت الآية : 1 - 2) .
وقال عن المنافقين : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ }{ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } ( البقرة الآية : 8 - 10 ) .
وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صادقا من قلبه إلا حرمه الله على النار » .
السادس : الإخلاص المنافي للشرك :
وهو تصفية العلم بالنية الصالحة عن جميع شوائب الشرك ، قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } ( البينة الآية : 5 ) ، وقال تعالى : { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ }{ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } ( الزمر الآية : 2 - 3 ) .
وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه » .
السابع : المحبة المنافية للبغض :
والمراد المحبة لهذه الكلمة ولما اقتضته ودلت عليه والمحبة لأهلها العاملين بها الملتزمين شروطها ، وبغض ما ناقض ذلك من الشرك وأهله ، قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } ( البقرة الآية : 165 ) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين » .
وفي الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار » .
من كتاب " رسالة في أسس العقيدة "
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
المفضلات