لا شك أن تعليم الوطنية وترسيخها في عقول النشء، بل وفي أفئدة كل أفراد المجتمع، يكتسب أهمية إستراتيجية فائقة في سياق تكتيل الجهد العام، وتوجيه الحِراكات الإجتماعية والسياسية نحو أهداف محدّدة وواضحة المعَالم، ولتفادى الحُفَرِ والمستنقعات التي يراد للمجتمع أن يُزهق روحه فيها بإبتسامة عريضة!.
البناء الوطني الشامل يَفترض حَشد الطاقات الإبداعية، ويكون بالضرورة مترافقاً بوعي أعرض الجماهير ومستمسكاً بالعقل والمنطق، وموجّهَاً من خلال خِطاب جَسُور، يتناول في الصحافة والمدرسة والجامعة وموقع العمل دون تلكؤ أو تلعثم طبيعة المرحلة التي يخوضها. وتلعب الكلمة دوراً محورياً في هذه المهام الفضلى، فهي الآلية الأولى التي تجمع الناس وتصنع النجاح وتشيد المعجزات.
لفت انتباهي مؤخراً، ما نُشر في بكين حول تركيز الحزب الشيوعي الصيني على الكلمة في الذكرى التسعين لتأسيسه، والتعبئة الفكرية والسياسية للمجتمع برمته، وتربية الجيل بروح الوطنية فعلاً لا قولاً، والمهمة هنا أن يَعمل الطفل والشاب والكهل بيديه أولاً ليختبر وطنيته، ثم يأتي الحشد الفكري والسياسي، حين يستشعر الكل، أن العمل قيمة كبرى، وأن الإلتزام به حق وواجب وسلوك شخصي مقبول مجتمعياً ومُطالب به، قبل أن يكون فرضاً دستورياً أو إملاً قانونياً.
وقرأت فيما قرأت مؤخراً، أن (لي تشانغ تشون)، العضو المسؤول للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، زار منطقة نينغيشيا المسلمة لقومية (هوى) الواقعة في شمال غرب بلاده، وهي تعاني من بيئة قاحلة، وزارها كذلك كاتب هذه المقالة ومسؤولون أردنيون رفيعو المستوى ورئيس وزراء أردني سابق هو دولة السيد نادر الذهبي، ولم يشدّد المسؤول الصيني فقط على مقولة مكافحة الفقر نظرياً، ولم يسترسل في أفلاطونيات المدينة الفاضلة، ولم ينزلق لسانه الى خطب رنانة وجميلة، بل وضمن نهج البلاد، العملي بالذات، دعا السكان وعدد كبير منهم توطنوا هنا وتعود أصولهم الى القومية العربية منذ طريق الحرير القديم، الى العمل بأيديهم وإعمال عقولهم للتغلب على المعيقات ولردم المستنقعات المميتة، ليشكّل العمل قيمتهم الأولى والحاسمة التي لا مندوحة عنها، ولكونه مدخل النمو المادي والروحي لجميعهم. ومن هنا كان لهؤلاء المواطنين في السنوات الفائتة، وفي النهضة الحالية أيضاً، طرح الفقر جانباً بمساعدة حكومية بالطبع، في المجال الزراعي والرعوي والتعاونيات، لتصبح المنطقة برمتها، التي بالمناسبة تطفح باللافتات العربية، مُصدِّرَةً لثمار وفيرة وغلال عظيمة للمدن الكبرى.
في نينغيشيا كانت ولا تزال الحِراكات المجتمعية على أشدّها، تؤازر البلاد الكبرى برمتها، وتعمل على جمع الكل حول راية العمل والإنتاج والإرتقاء الروحي والمادي، والتزاماً بروح الدستور وحرف القوانين، كما يقول أصغرهم وأكبرهم، وقد توصلوا الى مستويات كبرى من الرقي، فأصبحوا وهم في أصولهم من سكان الجبال ذات الأجواء القاسية والبعيدة عن المدن أغنياء وفي بحبوحة شاسعة.
المفضلات