الفصل الخامس الوعد القرآني في سورة التوبة
سورة التوبة من آخر ما نزل من القرآن، وكان نزولها في التعقيب على أحداث غزوة تبوك، في السنة التاسعة من الهجرة، وفيها تقرير الأحكام النهائية، للمواجهة بين الحق والباطل.
وقدمت آيات السورة وعوداً قاطعة، لانتصار الحق وهزيمة الباطل، وفق سنة الله التي لا تتبدل. من هذه الآيات:
وجوب قتال الكفار:
أولاً: قوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 32-33].
تخبر الآية عن جهود الكافرين، على اختلاف الزمان والمكان، في محاربة دين الله، وعدم نجاحهم في تلك الجهود. وتقدم وعداً قاطعاً من الله بإظهار الإسلام على ما سواه من الأديان، رغم أنف الكافرين.
والآيتان في سياق آيات تتحدث عن المشركين، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، تُعرف المسلمين عليهم، وتأمرهم بقتالهم، وتبين سبب اعتبار أهل الكتاب كافرين.
المشركون أعداء نجس، لا يجوز للمسلمين أن يأذنوا لهم بالاقتراب من المسجد الحرام.. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوية: 28].
وأهل الكتاب من اليهود والنصارى كافرون أعداء، ويجب على المسلمين قتالهم، حتى يذلوهم، ويأخذوا منهم الجزية، وتبين الآيات الأسباب التي تدعو المسلمين إلى قتالهم. قال تعالى: (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29].
ورغم أن أهل الكتاب يملكون كتباً من عند الله؛ التوراة والزبور عند اليهود، والإنجيل عن النصارى، إلا أنهم ألّهوا غير الله، وزعموا لله ابناً، وعبدوا أحبارهم ورهبانهم. قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة: 30-31].
حرص الكفار على إطفاء نور الله بأفواههم:
وتنتقل الآيات من بيان فساد عقيدة المشركين وأهل الكتاب، وبيان كفرهم والدعوة إلى قتالهم، إلى الحديث عن عداوتهم لهذا الدين، وسعيهم للقضاء عليه: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ).
الكلام في الآية على أصناف الكفار الثلاثة، المذكورين في الآيات السابقة، وهم: المشركون، واليهود، والنصارى.
والمصدر من (أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ) في محل نصب مفعول به لفعل (يُرِيدُونَ). أي: يريدون إطفاء نور الله.
والمراد بنور الله: الإسلام. الذي ختم الله به الأديان، وجعله الدين الوحيد المقبول عنده حتى قيام الساعة، وهو نور ينير للناس طريقهم، وهدى يهديهم على الحق، ويدلهم على ما يريده الله منهم.
والكفار على اختلاف أصنافهم، يكرهون هذا النور الكاشف الهادي، ولذلك يحرصون على القضاء عليه.
صور مضحكة للكفار في حربهم:
وترسم الآية صورة شاخصة ساحرة لهؤلاء الكفار، في محاولاتهم اليائسة المتعددة لحرب الحق: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ).. إننا نتخيل بخيالنا منظراً مضحكاً، نرى فيه مجموعة من الناس، لم يعجبهم ضوء الشمس وقت الظهر، في يوم صيفي حار، وأرادوا القضاء على الشمس وضيائها! ولكن كيف؟ صاروا ينفُخون على ضوء الشمس بأفواههم، ويُخرجون الهواء من صدورهم، ويوجّهونه للشمس لإطفائها!!.
وعندما نراهم على هذه الصورة المضحكة، نعجب من بلاهتهم وسذاجتهم، ولو أن البشرية كلها قامت بالنفخ على الشمس لما أطفأتها، وأنفاسهم لا تمتد لأبعد من أمتار قليلة، فضلاً عن أن تمتد إلى الشمس! فلينفخوا ما شاؤوا أن ينفخوا!!.
وهكذا محاولات الكافرين جميعاً للقضاء على الإسلام، إنها لا تخرج عن هذه الصورة البلهاء الساذجة، ولن تكون محاولاتهم اليائسة أحسن من نفخات سُذّج لإطفاء ضوء الشمس!.
إننا نعترف أن كفار هذا الزمان من اليهود والصليبيين والأمريكان، يشنون على الإسلام حرباً شرسة فظيعة عنيفة، يستخدمون فيها مختلف الأسلحة والأساليب والوسائل، ليس السلاح العسكري المتطور إلا واحداً منها، ونعترف أن هؤلاء الأعداء نجحوا في تحقيق بعض المكاسب في بلاد المسلمين..
لكننا نجزم أنهم لن ينجحوا في القضاء على الإسلام، ولن يتمكنوا من إطفاء نور الله، لا بأفواههم ولا بأيديهم ولا بأموالهم، ولا بغير ذلك. وهم في هذه الحرب الشرسة، كتلك المجموعة التي تنفخ على الشمس لإطفاء ضوئها.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات