قبل وضع حلمك أو رؤياك للتفسير....اقرأ هذا
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله.
وبعد:
فلقد كانت الرؤيا ولا زالت في العصور المتقدمة والمتأخرة موضع جد واهتمام لدى أصحابها.
وإذا نظرت إلى القرآن وجدت أن الله تعالى قد قص فيه شيئاً من ذلك وكأنه سبحانه يدعونا إلى الاهتمام بها وبتعبيرها.
وانطلاقاً من هذا التوجيه الإلهي المتمثل في الاهتمام بالرؤيا وجدنا الكثير من الناس يهتمون بها حتى أصبحت الرؤيا تمثل شيئاً مهماً في حياتهم.
بل وأصبحت الرؤيا باباً من أبواب الدعوة إلى الخير وترك الشر فكم من أناس كانوا على غير هدى فجاءت الرؤيا لتأخذ بنواصيهم إلى طريق الهدى والنور بل كم من أناس كانوا على الكفر والشرك فجاءت إليهم الرؤيا لتكون سبباً في هدايتهم إلى الإسلام.
فقد روى الحاكم في مستدركه عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص قديماً وكان أول إخوانه أسلم، وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه واقف على شفير النار فذكر من سعتها ما الله به أعلم ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها ويرى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذاً بحقويه لئلا يقع ففزع من نومه فقال: أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق فلقي أبا بكر بن قحافة فذكر ذلك له فقال أبو بكر: أريد بك خير، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع فيها وأبوك واقع فيها، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يدري من عبده ممن لم يعبده قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فسر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه.
فهذه رؤيا كانت سبباً في إسلام خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه، وغير خالد الكثير.
ولما كانت الرؤيا بهذه المنزلة العظيمة كان ولابد من عرضها على أهل الخبرة من معبريها فلا تقص على حسود لدود ولا على جاهل قوله مردود بل تقص على أهل العلم والفضل من العلماء العالمين من أهل الفقه في الدين.
ومما يؤسف له أن الكثير أخطئوا في جانب الرؤيا وأعني بالخطأ هنا الخطأ الناتج من صاحب الرؤيا والناتج من المعبر فإن صاحب الرؤيا تجده لا يتحرى من يعبر له رؤياه بل يعرضها على من هو ليس بأهل للتعبير وبالتالي تضيع الفائدة المرجوة من الرؤيا.
أما الخطأ الناتج عن المعبر فهذا أمر للأسف استشرى في مجتمعاتنا فتجد الرجل الذي لا يصلح للتأويل والتعبير يتجرأ على تعبير الرؤى وهذا مما لا شك فيه جهل بأحكام ديننا الحنيف.
وانطلاقاً من مبدأ النصح لكل مسلم جعلت هذه الرسالة الصغيرة في بيان فضل الرؤيا وخطورة التجرؤ على تعبيرها وبخاصة من غير المجيدين للتعبير، والله اسأل أن ينفع بها وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الفرق بين الرؤيا والحلم والإلهام:
لقد ذكرنا طرفاً من ذلك عند تعريفنا للرؤيا والحلم والذي ينبغي معرفته أن نصوص القرآن والسُنة جاءت ببيان التفرقة بينهما وسنذكر طرفاً من ذلك وقبل أن نشرع في بيان الفرق بينهما نقول إن الإلهام لا يرجع إلى القواعد المعتبرة في الرؤيا والحلم وذلك لأنه لا يقع إلا للخواص بل لا يقع إلا لخواص الخواص فهو وحي باطن خفي ويحرم منه الفاسق العصي لاستيلاء وحي الشيطان عليه.
أما الفرق بين الرؤيا والحلم:
قال الله تعالى في سورة يوسف: ﴿قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ﴾.
قال الإمام الطبري رحمه الله:
يقول تعالى ذكره: قال الملأ الذين سألهم ملك مصر عن تعبير رؤيا: رؤياك هذه ﴿أَضْغَاثُ أَحْلامٍ﴾ يعنون أنها أخلاط رؤيا كاذبة لا حقيقة لها.
وهي جمع ضغث و(الضغث) أصله الحزمة من الحشيش يشبه بها الأحلام المختلطة التي لا تأويل لها و(الأحلام) جمع (حلم) وهو ما لم يصدق من الرؤيا. تفسير الطبري (16/118)
وقال ابن كثير رحمه الله:
﴿أَضْغَاثُ أَحْلام﴾ أي أخلاط أحلام اقتضته رؤياك هذه ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ﴾.
أي لو كانت رؤيا صحيحة من أخلاط لما كان لنا معرفة تأويلها وهو تعبيره. تفسير ابن كثير (2/480)
وقال تعالى في الرؤيا.
﴿إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ سورة الأنفال، الآية: 43.
قال ابن كثير رحمه الله:
قال مجاهد أراهم الله إياه في منامه قليلاً وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك فكان تثبيتاً لهم وكذلك قال إسحاق وغير واحد تفسير ابن كثير (2/3).
ومن خلال هاتين الآيتين يتبين لنا الفرق بين الرؤيا والحلم.
إن الرؤيا ليست بأخلاط وإنما هي موزونة لا اختلاط فيها ولا إشكال ويمكن تعبيرها وتأويلها. بخلاف الحلم فإنه أخلاط ورؤيا كاذبة لا حقيقة لها أي لا تأويل لها وهي غالباً تكون من تلاعب الشيطان بالإنسان فللشيطان مكايد يحزن بها بني آدم وصدق ربنا حين قال:
﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ ) سورة المجادلة، الآية: (10).
فالشاهد من هذه الآية أن الشيطان يحزن الإنسان أحياناً فيريه في منامه ما يكره.
أما ما جاء في السُنة من التفريق بينهما فمنها:
1- حديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان".
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"إذا رأى أحدُكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره".
3- عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم فليتعوذ منه وليبصق عن شماله فإنها لا تضره".
وهناك أحاديث أخرى تدل على أن هناك فرقاً بين الرؤيا والحلم وخلاصة الأمر في الفرق بينهما:
1- أن الرؤيا هي التي تتضمن بشرى للعبد بخير يصيبه دنيا وأخرى أو إنذاراً أو تحذيراً له من الوقوع في شيء قد يعرض له فهذا من لطف الله تعالى بعبده أن ينذره ويحذره قبل أن تعرض عليه هذه الأشياء لينتبه لها.
2- أما الحلم فهو كما ذكرنا أخلاط لا حقيقة لها بل مداره على الفزع والحزن وغير ذلك مما فيه ما يكرهه الإنسان.
الأمور التي ينبغي مراعاتها في الرؤى والأحلام:
من رحمة الله بعباده أن شرع لهم أموراً عند رؤية ما يحبونه وما يكرهونه فما هو المشروع في حقهم؟
أولاً: الرؤيا الصالحة وما يشرع فيها:
1- أن يعلم أنها من الله، كما قال صلى الله عليه وسلم "الرؤيا الصالحة من الله..".
وقال أيضاً "إذا رأى أحدُكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله..". وإضافتها إليه إضافة تشريف وإلا فالكل من الله يعني الحلم.
2- أن يحمد الله عليها: ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري السابق وفيه ".. فليحمد الله عليها..".
3- أن يحدث بها: وهذا ورد أيضاً في حديث أبي سعيد السابق ولكن التحدث بها ليس لكل أحد بل لا يحدث بها إلا من يحب ففي بعض الروايات "فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يخبر إلا من يحب".
4- أن لا يقصها إلا على ذي رأي ولب وحكمة وعلم ونصح. فعن أبي رزين العقيلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءاً من النبوة وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها، فإذا تحدث بها سقطت" قال وأحسبه قال: "ولا تحدث بها إلا لبيباً أو حبيباً".
وفي رواية أخرى "ولا يقصها إلا على وادّ أو ذي رأي". (وادّ) بتشديد الدال اسم فاعل من الود أو ذي رأي وفي رواية أخرى "ولا يقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح".
ثانياً: أن لا يحدث بها أحداً:
كما جاء ذلك في حديث أبي سعيد الخدري السابق وفيه "ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره".
أما الحكمة في ذكر هذه الأشياء فقد ذكرها بعض أهل العلم نوردها بإيجاز.
1- أما الاستعاذة من شرها: لأنها مشروعة عند كل أمر يكره.
2- أما الاستعاذة من الشيطان: لأن هذه الرؤيا منه وأنه يخيل بها بغرض تحزين الآدمي والتهويل عليه كما ذكرنا ذلك سابقاً.
3- أما البصق أو التفل يساراً: وذلك لطرد الشيطان وإظهار احتقاره واستفزازه وقيل بأن التفل أو البصق للتبرك بتلك الرطوبة والهواء المقارن للذكر الحسن وأما كونها من اليسار أو كون البصق عن اليسار لأنها محل الأقذار ونحوها. وأما كون البصق ثلاثاً قيل للتأكيد وكونها ثلاثاً لتكون وتراً.
4- أما كونه يعتقد أنها لا تضره: معناه أن الله جعل ما ذكر سبباً للسلامة من المكروه.
5- أما الصلاة: لأن فيها لجوءاً إلى الرب سبحانه وتعالى ولأن في التحريم بها عصمة من السوء وبها تكمل الرغبة وتصح الطلبة لقرب المصلى من ربه عند سجوده.
6- أما التحول: فهو للتفاءل فإنه به يتفاءل العبد بتحول تلك الحال التي كان عليها .
منقوووول للفائدة
فضيلة الشيخ أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
__________________
المفضلات