ابواب
القرنية المخروطية بين التمنيات والامكانيات
د. سلمن حبش
بات من المعروف ان مرض القرنية المخروطية هو من امراض العيون المنتشرة بشكل كبير في بلادنا،اما الاسباب فهي غير معروفة حتى الان، فبينما لا يعرف اليابانيون ما هو هذا المرض بسبب عدم انتشاره لديهم يعاني الاوروبيين من نسبة بسيطة من هذا المرض، تكاد تكون نصف النسبة التي لدينا.
صحيح انه لا توجد دراسة موثقة حتى الان عن نسبة انتشار هذا المرض ولكن من خلال لقاءاتنا مع اطباء من العالم اجمع والاطلاع على نتائج احصائياتهم نستطيع ان نجزم بان النسبة لدينا هي الاعلى.
اما مرض القرنية المخروطية فهو عبارة عن ترقق او نقص شديد في سماكة القرنية يؤدي الى عدم قدرتها على تحمل ضغط السوائل الموجودة داخل العين وبالتالي تمددها للامام واتخاذها اشكالاً غير متوافقة مع تركيبة العين وبالتالي الى ضعف شديد في حدة الابصار وتشتت كبير في الانكسارات الضوئية. اما في المراحل الاخيرة فتتكون لطخة بيضاء على القرنية مما يحجب النظر تماما.
لم يكن ممكنا علاج القرنية المخروطية حتى فترة بسيطة،حتى ان الكثيرين يعتقدون بعدم وجود علاج لهذا المرض, فقد كنا سابقا لا نكتشف المرض الا في المراحل الاخيرة, وذلك بسبب نقص الامكانيات التشخيصية, اي انه لم تكن لدينا الاجهزة القادرة على تصوير القرنية بشكل يكشف مبكرا عن وجود هذا المرض.
مع انتشار عمليات الليزك والليسك لتصحيح البصر بدت الحاجة ملحة لتصوير القرنية واكتشاف إن كانت طبيعية ام لا، حيث ان القرنية غير الطبيعية لا تصلح لاجراء مثل هذه العمليات. قبل حوالي اثني عشر عاما اكتشف الطبيب السويسري زايلر اول حالة قرنية مخروطية بعد اجراء عملية الليسك ومنذ ذلك الوقت بدأت الدراسات بشكل مكثف لتشخيص هذا المرض ومن ثم علاجه ذلك لان التشخيص المبكر يؤدي الى تلافى الكثير من المشاكل التي قد تضر بعمليات تصحيح البصر التي كانت منتشرة بشكل كبير آنذاك في اوروبا وامريكا. فبدأت الشركات الغربية بابتكارات كثيرة منها تصوير دقيق للقرنية من الخارج ومن الداخل وفحص دقيق لسماكة القرنية في كافة اجزائها ومقارنة صور قرنية كل مريض مع صور لقرنيات طبيعية ومن ثم تحليل هذه الصور واعطاء النتيجة ان كانت القرنية مخروطية ام لا, ولا زالت هذه الدراسات والابتكارات مستمرة،حيث نفاجأ يوميا باختراعات جديدة تقول انها الافضل في التشخيص المبكر للقرنية المخروطية.
قد يتساءل المرء لماذا كل هذه التعقيدات وهل من الصعوبة بمكان تشخيص القرنية المخروطية مع انه مرض قديم وكان يشخص قديما بوسائل بدائية؟ الجواب هو نعم من الصعب جدا تشخيص المرض في المراحل الاولى حتى باستخدام احدث الاجهزة. اما قديما فقد كان يشخص المرض في المراحل النهائية عندما تكون القرنية قد تمددت بشكل واضح وبالعين المجردة.
قبل حوالي 5 اعوام اكتشف الطبيب السويسري زايلر علاجا لمرض القرنية المخروطية وهو نفس الطبيب أشرنا سابقا انه اكتشف المرض بعد عمليات الليسك, ويكمن هذا العلاج في كشط الطبقة الخارجية من القرنية ثم وضع مادة فيتامين B2 لمدة 30 دقيقة على سطح القرنية المكشوطة،ثم تعريض القرنية للاشعة فوق البنفسجية لمدة 30 دقيقة مع الابقاء على وضع مادة فيتامين B2 اي انه خلال ساعة تنتهي مشكلة القرنية المخروطية, وقد حاول بعض الاطباء جعل العملية اسهل من خلال وضع مادة فيتامين B2على سطح القرنية بدون كشط القرنية، ولكن هذه العمليات لم تنجح لان جزيئات الفيتامين اكبر حجما من المسامات الموجودة في الغشاء الخارجي للقرنية وبالتالي لا يمكن للمادة ان تدخل وتتغلغل في نسيج القرنية بدون ازالة الغشاء الخارجي.
اما عن آلية عمل مادة الفيتامين والاشعة فوق البنفسجية فهي تشبه تماما آلية عمل حشوات الاسنان البيضاء،حيث يحفر الطبيب السن ثم يضع في داخل الحفرة حشوة بيضاء طرية وعندما يدخلها تماما ويشكل سطحها بالشكل المطلوب يُسلّط ضوءاً عليها فتتحول المادة الطرية الى مادة صلبة كصلابة السن نفسه.هذا تماما ما نقوم به عندما نعالج القرنية المخروطية بمادة فيتامين B2 فنحن نقوم بتصليب القرنية لان القرنية المخروطية هي قرنية رقيقة ورخوة اما عندما نضع المادة عليها ونُسلط الاشعة فوق البنفسجية فان القرنية تتصلب وتصبح قادرة على مقاومة ضغط السوائل الموجودة داخل العين.
بمعنى اخر ان هذا العلاج لا يعيد القرنية الى وضعها الطبيعي بل يوقف تمدد القرنية وبالتالي تدهور الحالة.من هنا يتضح انه كلما اكتشفنا هذا المرض مبكرا كلما استطعنا ان نجري عمليات مبكرة وبالتالي المحافظة على عيون طبيعية دون الحاجة الى اجراءات اعقد.
اما في الحالات المتقدمة حيث القرنية قد تمددت كثيرا والنظر قد تدهور فان هذه العمليات وحدها لا تفيد, وذلك لانها ستوقف القرنية عند الحالة التي وصلت اليها وهي حالة سيئة والنظر سيئ وبالتالي لا بد من حلول اخرى.
كان الحل الوحيد سابقا هو قص القرنية المخروطية وازالتها ثم زراعة قرنية جيدة من متوفى، ولكن هناك مشاكل كثيرة من زراعة القرنية منها درجات الانحراف العالية التي تظهر في كثير في الاحيان اضافة الى امكانية رفض الجسم لهذه القرنية وبالتالي الاضطرار لاستخدام قطرات الكورتيزون لفترات طويلة مما قد يؤدي الى ظهور المياه الزرقاء وارتفاع ضغط العين هذا اضافة الى التكلفة العالية للقرنية وصعوبة الحصول عليها وصعوبة الحصول على قرنية جيدة من متوفى صغير في السن, كما ان العمر الافتراضي لهذه القرنيات عشرة اعوام يحتاج بعدها المريض لزراعة قرنية جديدة وكما هو معروف فان الزراعة الثانية تكون فرص نجاحها اقل من الزراعة الاولى، وعندما نأخذ بعين الاعتبار ان الاشخاص الذين يعانون من قرنية مخروطية هم عادة في سن الشباب فإنهم قد يحتاجون الى عدة زراعات خلال حياتهم،اخذين بعين الاعتبار تضاؤل فرص النجاح في كل مرة فانه من الافضل عدم اجراء هذه العمليات الا للاشخاص الذين يعانون من عتامة مركزية في القرنية تحجب الرؤية وتمنع اجراء اي عملية اخرى.
بسبب كل ما سبق انتشرت في العالم عمليات زراعة الدعامات انتشارا كبيرا,وهي عبارة عن زراعة دعامة او اثنتين على شكل هلال داخل نسيج القرنية وبعمق 70%-80%من سطح القرنية، تقوم هذه الدعامات بعملية تدعيم للقرنية واعادتها الى الخلف تماما كما تقوم الدعامات بعملها في اعمال البناء والانشاءات عندما يكون هناك انهيار في جدران المباني او الجسور.
هل يمكن اجراء عملية الدعامات وعملية التصليب معاً بفيتامين B2؟ نعم وهذا هو افضل الحلول للقرنية المخروطية المتقدمة،فقد كنا سابقا نجري عملية زراعة الدعامات اولا كي نعيد القرنية الى الوراء ثم نقوم بتصليبها كي تبقى على وضعها الجديد هذا، ولكن اتضح انناعندما نقوم بتصليب القرنية بعد زراعة الدعامات فان مادة فيتامينB2 والاشعة فوق البنفسجية لا يمكنها اختراق الدعامات وتصليب المنطقة الموجودة خلفها وبالتالي فان القرنية في منطقة الدعامات تبقى غير متصلبة. لذلك بدأنا باجراء عملية تصليب القرنية اولا ومن ثم اجراء عملية زراعة الدعامات وذلك كي نضمن تصليب كافة اجزاء القرنية قبل زراعة الدعامات.
بقيت الإشارة ان جميع الحلول موجودة الان لمعالجة القرنية المخروطية ولكن المهم هو العلاج المبكر والذي يتطلب تشخيصا مبكرا، وهذا يتطلب جهدا كبيرا من الجميع بدءا بالمريض الذي يجب ان يراجع طبيبه فور شعوره باي ضعف في حدة الابصار مرورا بفاحص البصر الذي يجب ان يرسل المريض للطبيب عند شعوره بان درجات الانحراف والقصر آخذة في الازدياد لدى المريض او ان نظره اصبح لا يصل الى حد 6/6 حتى مع استخدام افضل نظارات ممكنة،وانتهاء بالطبيب الذي يجب ان يُجري صورة طبوغرافية لكل مريض يشك بوجود قرنية مخروطية لديه خاصة اذا كان هذا المريض في سن الشباب او كان لديه حساسية ربيع عندما كان صغيرا او انه يعاني من حكة في العينين.
مستشار طب وجراحة العيون
رد مع اقتباس
المفضلات