محمد سويلم - وصفي.. كان شغوفا بالصيد، مولعا بالزراعة، محبا للبر والطبيعة، يقضي جزءا من وقت فراغه بالتأمل، وافتراش الارض، والتشمس من خلال الجلوس بغرفة التشميس التي صممها من غير سقف واستبدله بالزجاج، واستغلها بالزراعة البيتية والجلوس فيها لتدخين «الغليون»..
الزائر لبيته أمام فرصة حقيقية للغوص في أعماق هذه الشخصية الفذة والابحار في محيط مليئ بالاسرار والمكنونات لاستكشاف جوانب ومفاصل لشخصية بحجم الشهيد.
هذا البيت الذي اصبح اليوم متحفا يقصده الزوار والمهتمين من الداخل والخارج؛ ما زال يحتفظ بإرث وصفي ومقتنياته وكل آثاره..
ففي كل زاوية وركن من البيت وكل شبر من ارض ونبتة وزرع؛ تحمل في طياتها حكايات وتأملات ومواقف وتجليات بتوقيع الشهيد..
ليس أولها «السهم اصفر اللون»، وبالطبع ليس اخرها «الرمان المجفف» منذ خمسة واربعون عاما، و»الارز» الذي يعود لخمسين عام مضت..
و»السهم الأصفر» كان أطلقه وصفي ذات مرة ليصيب به فخذ غزال يسرح قرب بيته، حيث الجوار تكثر فيه الغزلان والارانب البرية وغير ذلك من الحيوانات البرية..
ثم راح يطبب ذاك الغزال المصاب، ويقدم له الرعاية والعطف؛ حتى تفاجأ بعد أيام بقطيع من تسعة الى عشرة غزلان في فناء المنزل جاءت باحثة عن الغزال المتصاوب، فأمسك الزعيم وصفي برفاق غزالته وبنى لهن حضيرة يعشن فيها بذات الرعاية والعطف..
بالاضافة الى الغزلان؛ كان لدى الشهيد حضائر تضم حيوانات اخرى كالاغنام والبقر وحضيرة الخيل وغير ذلك، وتربية ورعاية هذه الحيوانات كان احد ابرز اهتماماته..
البيت الذي استغرق بناؤه نحو (16) سنة على ثلاث مراحل، الطابق الاول فالثاني والمرحلة الاخيرة كانت الاضافات والتوسعات..
مما يميز هذا البيت عدم وجود الاعمدة والدعامات، وانما يعتمد على سماكة جدرانه التي بلغ عرضها نحو (85) سم، كانت مستغلة كخزائن في جميع واجهات المنزل.
هذا المنزل الذي بقيت فيه زوجته سعدية بعد استشهاده ولم تفارقه لمدة 28 عاما حتى فارقتها الروح، حرصت ان تبقي كل شيء كما تركه زوجها البطل، سيارته المهداة من الملك الراحل الحسين بن طلال، «شماغه»، زيه العسكري، اسلحة الصيد العزيزة عليه، مكتبه وحاجياته، حبات رمان كان يجففها، صحن على شكل غليون فيه أرز كان وضعه، حتى مجموعة «غلايين» كان يستخدمها فالمعروف عنه انه مدخن شره تكاد لا تخلو صورة له من السيجارة بين اصابعه..
المكان وحده لا يتكلم لكن «ياسمين عربيات» مشرفة المتحف الخاضع الان لمسؤولية امانة عمان؛ تتكلم وتفيض بالمعلومات والاخبار، ليس بمعلومات الكتب فحسب بل بكل ما مكنها من جهد قامت به بالبحث عن جميع ما تستطيع من جوانب حياة وصفي التل وزوجته سعدية التي أحب..
.. سواء اكان من الاهل او اصدقاء ورفقاء الدرب، وتحرص على ان تصل الرسالة للاجيال الجديدة واللاحقة لتستمر المسيرة.. مسيرة وصفي.
توافق اليوم 28 تشرين الثاني الذكرى الثانية والاربعون لاستشهاد المرحوم وصفي التل رئيس الوزراء الاسبق الذي اغتيل في القاهرة اثناء مشاركته في اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك .
ولد الراحل التل عام 1920 وهو ابن الشاعر مصطفى وهبي التل « عرار» حيث تلقى دراسته الابتدائية في المملكة ثم انتقل الى الدراسة في الجامعة الاميركية ببيروت .
نقلاً عن الراي الاردنيه
المفضلات