أكد الكاتب سلامة الدرعاوي في مقال له اليوم أن رئيس الوزراء نادر الذهبي قد أخذ دور عدد من الوزراء في معالجة الأوضاع الاقتصادية بعد أن وجد أن تبعات الأزمة الاقتصادية المالية العالمية قد بدأت تصب تأثيراتها بقوة على الاقتصاد الأردني .
وجاءت مقالة الدرعاوي في صحيفة العرب اليوم كما يلي:
بعد عامين على وزارة الذهبي.. انقلاب اقتصادي
بعد عامين على تشكيل وزارة نادر الذهبي تعرض الاقتصاد الوطني الى تقلبات حادة, تباين آداء الحكومة في مواجهتها بسبب مجموعة من المتغيرات التي ادت الى ذلك.
في البداية كانت الحكومة تواجه أسوأ كابوس اقتصادي داخلي كاد ان يهدد الامن والاستقرار المعيشي للاردنيين, وهو ارتفاع الاسعار الذي وصل لمستويات مقلقة استنزف دخل الاردنيين الذين تآكلت القوة الشرائية لهم, واستطاعت الحكومة مواجهة تلك الازمة باقتدار حيث خصصت في ذلك الوقت ما يقارب الـ 855 مليون دينار لتعزيز شبكة الامان الاجتماعي, وزادت رواتب العاملين ما بين 45-50 دينارا والغت الرسوم الجمركية عن الكثير من السلع والمواد الغذائية الرئيسية وهددت كل من يتلاعب بقوت المواطنين ولوحت بالتسعير وغيرها من الاجراءات التي امتصت في النهاية تداعيات الاسعار ومرت تلك الفترة بسلام.
بعد ذلك واجهت الحكومة تحديا من نوع جديد, وهو الازمة المالية العالمية, وكان التخبط السمة الابرز في سياسة الحكومة تجاه مواجهة تداعيات الازمة, في البداية استبشر وزراؤها خيرا بسبب اسعار النفط وتراجع المستوردات والصادرات وانخفاض العجز التجاري, لينكشف بعد فترة وجيزة كابوس جديد يلوح بأفق الاقتصاد الاردني الذي دخلت قطاعات حيوية فيه مرحلة تباطؤ ادت الى هبوط عام في النشاط الاقتصادي العام وساهم سلبا في التحصيلات الضريبية والجمركية مما فاقم عجز الموازنة الى اكثر من 1.17 مليار دينار بعد ان كان مقدرا له بان يكون عند مستوى 689 مليون دينار.
كما امتدت تداعيات الازمة لتطال معدلات البطالة التي ارتفعت عن مستوياتها المنخفضة الى اكثر من 13 بالمئة وبدأ منحنى حوالات المغتربين في الخارج بالانزلاق التدريجي ليصل قبل شهرين الى اكثر من 22 بالمئة ناهيك عن هبوط الدخل السياحي وتراجع كبير في التدفقات الاستثمارية والذي قد يصل الى اكثر من 65 بالمئة منذ بداية العام مما سيُفاقم عجز ميزان المدفوعات لان مصادر العملة الاجنبية في تراجع مصحوبا بهبوط كبير في الصادرات الوطنية.
والواقع ان الحكومة لم تتمكن من الاحاطة بطبيعة المشاكل التي احاطت بالاقتصاد واستسلمت لتحليلات وزرائها الذين جعلوا الدولة في حالة "تخدير" واستسلام للازمة.
وفي صحوة متأخرة ادركت الحكومة ان الامور تسير اقتصاديا بعكس ما حدث مع وزرائها في السابق, وان الازمة بدأت تتعمق على مجمل النشاط الاقتصادي, وان الامر لا بد ان يقابله تحرك لانقاذ ما يمكن انقاذه واعادة الثقة للمستهلكين والمنتجين والمستثمرين من جديد.
والحقيقة ان التحرك الاخير للحكومة يعود لرئيس الوزراء الذي اثقلت مسامعه شكاوى القطاع الخاص ووزراؤه واقفون بانتظار اخبار التعديل او التغيير الوزاري.
الذهبي ادرك ان سنة 2010 سنة مؤلمة وانها ستكون فارقة بالنسبة للاقتصاد, لان كل افرازات الازمة العالمية ستظهر في تلك السنة اذا لم يتم التصدي, فتدخل بشكل مباشر في تعديل بلاغ الموازنة للعام المقبل وخفض النفقات أكثر من 150 مليون دينار وشكل لجنة لبحث مشاكل التمويل من قبل البنوك للقطاع الخاص ويشرف على تنفيذ توصياتها بشكل شخصي.
طبعا تدخلات الرئيس لا تعجب بعض الوزراء وكبار المسؤولين لانهم يعتقدون انه تجاوز لصلاحياتهم ومراكزهم, والحقيقة انه كذلك في بعض الاحيان لكنها مشروعة فالمصلحة العامة تقتضي التحرك سريعا لمواجهة حالة التباطؤ الاقتصادي.
تبقى المشكلة الرئيسية امام الذهبي والتي ستحد من قدرته على مواصلة التحرك وهو غياب فريق اقتصادي يعي طبيعة التحديات الاقتصادية التي تعاني منها المملكة, ويفتقر للحلول والمبادرات, فريق عمل متجانس في الرؤية وميداني في العمل, يتحدث بما يعلم ويستند للمعلومة والتحليل المنطقي. للأسف نجد ان وزراءنا يتحدثون ويظهرون على وسائل الاعلام في الوقت الذي يتطلب منهم العمل بالكواليس, ويختفون عن الانظار في الوقت الذي يطلب منهم تحرك اعلامي لاعادة الثقة بالاقتصاد الوطني
المفضلات