سميح المعايطة
من نافلة القول؛ التأكيد على حقّ الجميع في التعبير الديمقراطي ورفع الصوت والمطالب عبر حراكٍ سياسي سلمي, لكننا نحتاج اليوم إلى أن تقف كل الجهات وقفةً جادةً علميّةً؛ لنقوم بجردة حساب مع كل المطالب أو أهمها ومع ما يتم؛ لأن المطالبات ليست حالة دائمة بل مرحلة للانتقال إلى مراحل أفضل.
وقبل أن ندخل في التفاصيل لا بدَّ من الإشارة إلى أن مخرجات أي عمليّة سياسيّة إصلاحيّة ليست بالضرورة أن ترضي مطالب كل الفئات والناس, فالتعديلات الدستورية -مثلاً- هناك من يرى أنها غير كافية وهو تقييمٌ مبررٌ لأصحابه، لكن هناك من يرى أنها مثلت تنازلات لا ضرورة لها، لكن الغالبية العظمى أو الرأي العام رأى فيها خطوات كبيرة وايجابية ونقلة في مسار الدولة.
المطالب في العموم كانت على النحو التالي:
- تعديل قانون الانتخاب وإلغاء الصوت الواحد
- إجراء تعديلات دستورية
- تعديل قانون الأحزاب
- إنشاء نقابة للمعلمين
- محاربة الفساد
وكانت هناك مطالب من بعض الأطراف برحيل الحكومة وأخرى بحل مجلس النواب, وحل «النواب» أمر لا يتعلق بتقييمنا لأدائه بل بضرورة إصلاحيّة لأن حل المجلس يعني استحالة إقرار تعديلات دستورية, ويعني إقرار التشريعات السياسية وأهمها قانون الانتخاب من خلال قانون مؤقت, علماً بأن كل الأطراف التي خرجت كانت تنتقد إصدار قوانين مؤقتة فكيف نرفض الفكرة ثم نطالب بها؟!
إذا استعرضنا المطالب؛ فإن الإصلاحات الدستوريّة تمت عبر مراجعة قدمت تعديلات كبيرة مثل المحكمة الدستوريّة ومنع إصدار القوانين المؤقتة والهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات ومحكمة الوزراء والطعن بنتائج الانتخابات النيابيّة لدى القضاء وأيضاً استمرار عمل مجلس النواب وعدم السماح بتغييبه.., وهذه التعديلات خطوة كبيرة من وجهة نظر حتى من يرون ضرورة وجود تعديلات أخرى.
أما قانونا الأحزاب والانتخاب فهما قادمان إلى طاولة مجلس الأمة لإقرارهما، وسيكون هناك حوارٌ موسعٌ مع كل الفعاليات كما كان الحوار سابقاً في لجنة الحوار, وسيغيب الصوت الواحد لمصلحة قانون توافقي.
أما نقابة المعلمين فقد أصبحت أمراً واقعاً بعد إقرار قانونها.
أما الفساد فليس مبنى يزول بقرار هدم لأنه حالة ممتدة في السلوك والتشريعات والممارسات, ولا يمكن اجتثاثه بمسيرة أو مقال، لكننا نرى حالة عامة أكثر قوة في مواجهة الفساد, وهناك أجواء يمكن البناء عليها, لأن الفساد سيبقى ما بقي البشر على الأرض لكن المهم أن نصنع واقعاً وقائيّاً يمنع الفساد ويعاقب المفسدين وهذا ليس أمراً سهلاً بل يحتاج عملاً دائماً من خلال المؤسسات, ومن يؤمن بمحاربة الفساد لا بد أن يكون جزءاً من مؤسسات صنع القرار حتى يقوم بهذا.
هناك قضايا مطلبية تخص التنمية وقضايا تتعلق بمظالم لمناطق وفئات وهذه تحتاج إلى متابعة وإجراءات لكن ما هو واضح أن هناك تفهماً للقضايا العادلة, وحتى على صعيد التنمية فان بعض المحافظات التي تحتاج إلى إنصاف تنموي تم إنفاق وتخصيص عشرات الملايين فيها خلال الفترات الأخيرة.
لم نصل إلى كلّ ما نريد وهناك مسارٌ إصلاحيٌ يحتاج استكمالاً خلال المقبل من السنوات، لكننا يجب أن نرى الأمور بعين سياسيّة منصفة, لان الإصلاح ليس استجابة لمطلب جهة, والإصلاح ليس أن يحقق طرف كل ما يريد, لأن المجتمع ليس جهة واحدة بل جهات عديدة سياسيّة واجتماعيّة لكن المهم أن نحقق ما يتوافق مع رأي الغالبية.
ما تم ايجابيٌ وكبيرٌ ويستحق أن يتم التعامل معه بايجابية وليس بأي طريق آخر, فالقانون لا يوضع لإرضاء فئة بل ليكون محل توافق, لكن ما هو واضح الجديّة والإنجاز والإيمان بأننا سنبقى نمارس الإصلاح ما بقيت الحياة فالتعديلات الدستورية ليست آخر المطاف.
مرة أخرى يستحق الأردن منّا أن نمارس الموضوعيّة لكل ما تحقق, وأن نعطي دفعة قوية لتجسيد الإصلاح والعمليات السياسيّة الناتجة عنه وأهمها الانتخابات البلدية والنيابية أما إدارة الظهر لأي إنجاز والأحكام العدميّة فإنها تنتظر مراجعة من أهلها.
ce@alrai.com
المفضلات