د. كامل جميل ولويل - سأذكر الآن آيةً من سورة (ص) رأيت فيها تجليات لغوية، ووجدت فيها نقاطا شافية للنفس في التعبير عن اهدافها، وربما اشعر بالتبرم والاثم اذ اخصص قولي في آية واحدة او سورة واحدة، فاني ما ألبث أدرس آية حتى اجد فيها ما يجعل نفسي تتعلق بأدبها ولغتها وتركيبها ونقاطها المرهفة، لا اريد ان استطنب واليك ايها القارئ الاية الكريمة الخامسة والاربعين من سورة ص.
«واذكر عبدنا إبراهيم واسحاق ويعقوب اولي الايدي والابصار»، كتبت كلمة (عبادنا) بألف صغيرة او مدة قصيرة، وقد عرفنا في دراساتنا عن اسلوب رسم المصحف ان الالف تحذف عند ارادة الابهام، فلا احد منا يستطيع ان يحدد نوع عبادة هؤلاء الانبياء، ولا مدى زهدهم ومهارتهم وصبرهم، وحبهم لله وكلمات الله، لو استطعنا التحديد لكتبنا (عبادنا) بألف عادية، كأن أقول: أنا وأنت ولطفي وصبحي ومطيع من عباد الله، هنا تكتب بالألف لانها محددة.
ومن مكنون هذه الثلة الكريمة انهم اولو أيد، واولو ابصار، ولكن كل الناس لهم أيدٍ، وكل الناس لهم ابصار، فلماذا هذه الفئة؟ لماذا وصفهم الحق جل وعلا بانهم اولو ايد وابصار؟ كان لهم عبادات كثيرة، والعبادات تحتاج الى قوة والى تبصر في الدين، لقد بلغ منا من بلغ العمر الكبير وهو يبحث عن دينه ويتساءل، لعلنا نصل الى نتيجة، كان هؤلاء الانبياء اصحاب اعمال جليلة واهل علوم رفيعة، واستعملت الايدي كمجاز مرسل عن الاعمال النافعة، لان اظهر وسيلة للعمل النافع هي اليد، واستعملت الابصار مجازا مرسلا ايضا عن العوم، لان البصيرة والمشاهدة والتجربة والنظر اصل العلوم، ان الصفتين التقتا في هذه الفئة المكرمة من رسل الله.
والآية التالية تقول «إنا اخلصناهم بخالصةٍ ذكرى الدار»، ااني اقرأ كلمة (خالصةٍ) بالتنوين، ما هي هذه الصفة الخالصة التي تمتعوا بها، انها ذكرى بمعنى تذكر يوم القيامة، فكلمة ذكرى الدار بدل من كلمة خالصة، كأنك تقول: انا اخلصناهم بذكرى الدار، ما اعظم ألا ينسى الإنسان الآخرة، لان تذكرها يوحي له بالصدق والاخلاص وعدم الحيد عن ذكر الله، ويوحي ايضا باستمرار التوجه الى الله تعالى واستمرار الدعاء. والاية التالية للآيتين السابقتين تبشرهم وتكشف عن منزلتهم، قال تعالى «وانهم عندنا لمن المصطَفين الاخيار» لقد اكدت منزلتهم الرفيعة بحرفين للتوكيد، الاول إنَّ والثاني اللام، وهذا التوكيد المزدوج يجعلهم في منزلة رفيعة، والله تعالى يختص برحمته من يشاء.
المفضلات