الاستماع ودوره في إنجاح التفاهم والحوار
عندما نتحدث .. نحب أن يستمع إلينا الآخرون .. لعل هذه طبيعة عامة فينا جميعاً .. لأن الاستماع يشعرنا بالثقة
والاحترام.. ويحسسنا بالأهمية..
وقد أثبت علماء النفس الاجتماعي أن الاستماع الجيد إلى الآخرين ليس بالضرورة ينتهي إلى التأثير الكامل عليهم إلا
أنه يزيد من أواصر المحبة والتقارب الروحي والعاطفي بين الناس..
كما أن من أبرز سمات العظماء وأصحاب النفوذ والتأثير في المجتمعات هي الاستماع والإصغاء إلى كلام الآخرين..
فليس كثرة الكلام دليلاً على قوة الشخصية ولا قوة التأثير بل ربما – أو في الغالب – ينتهي كثرة الكلام إلى ما لا
يحمد عقباه من النتائج..
فإن الكلام الكثير يعرّض صاحبه إلى الوقوع في الأخطاء الكثيرة أيضاً والدخول في مجالات بعضها هامشية قد تضر
ولا نفع مضافاً إلى أن الملل الناجم منه ربما ينزل بمستوى الحديث إلى مصاف الحديث العادي والكلمات فاقدة القيمة أو
الشعارات التي تفتقد إلى المزيد من الواقعية..
وبالتالي فان من كثر كلامه كثر خطأه ..
ومن الواضح .. أن الإنسان إذا أحسّ بحاجته إلى الكلام سيكون مشدوداً إلى البوح به وربما تنشحن نفسه بذلك وتكبر الشحنات وتتفاعل معه كلما تأخر إفراغها وإثارتها .
وعليه فلا بد لهذه الشحنات من تفريغ فاذا وجد الإنسان أمامه من يستمع إليه من الأفراد الذين يهمه سماعهم أو يريد إيصال كلامه إليهم يكون قد شعر بأنه أدى ما عليه وحقق بعض غرضه وأما إذا وجد أمامه الباب موصداً فإن ذلك سينعكس عليه سلباً وربما يصدمه نفسياً ويعود إلى ما لا يحمد عقباه من ردود الفعل.
لأن الكلام شحنة كبيرة في النفس وطاقة جبارة لابد أن نوجد لها منافذ للتنفيس أو التنظيم لكي نستثمر إيجابياته ونحد من سلبياته.
وينبغي أن لا ننسى أبداً أن السيل الجارف يتكون من القطرات والقشة ربما تقصم ظهر البعير ..
والكثير من المشاكل العويصة والأزمات الخطيرة كانت في بادئ أمرها صغيرة ولما لم نلتفت إلى احتواءها وتحديدها
تكبر ثم تنفجر وتعود على الجميع بالضرر.
كثيراً ما يحدث – حتى في أحاديثنا اليومية مع الأصدقاء – أن نحس بأننا أخطأنا في فهم محدثنا بل وأحياناً نحس بأننا
قد أسأنا فهم مقصده ونواياه وبالتالي أسأنا تقديره واحترامه..
ويزداد هذا الشعور في مواقف الصراع والتخاصم .. وذلك بسبب عدم الاستماع أولاً لما يقوله الطرف الآخر وماذا
يريد .. والكثير من الناس يبتلى بسوء الظن والتشكيك في نوايا الطرف الآخر عندما لا يقيم تواصلاً معه وبالتالي فإن للشيطان دوراً كبيراً في إثارة النزاعات والفتن بين الأخوة والأصدقاء وفي الغالب يستغل القطيعة ليثير في النفوس
الأضغان والتهم .. فإذا أقمنا تواصلاً معهم واستمعنا إليهم من قريب نكون قد أغلقنا عليه أبواب ذلك ..
في النهاية إننا عندما نبرز الــجزء المخفي من شخصيتنا بأسلــوب رقيق ولطيف نكون قد أشعرنا محدثنا بالأمن
والطمأنينة فيتشجع بشكل طبيعي للحديث معنا بارتياح وثقة .
في الوقت الذي ما كنا نحصل على هذا الاسترسال إذا تعاملنا معه وفق الروتين أو بقينا نتكتم ونتحفظ منه.
إذن بالحديث العفوي الواضح يمكننا أن نوجّه الحديث بالاتجاه الذي يعود علينا جميعاً بالفائدة وتحقيق المصالح المشتركة .
المفضلات