رحل بعيدا ... ولم يجرؤ الا أخذ القليل معه من تلك العهود التي أنهكت روحه حد الهرم...
لبس معطف الذكريات ومنها جعل عصاه التي يتكأ عليها ويهش بها أحزانه وأفراحه ويجعل منها سببا يتفشى بروحه هلاك البعد المريب...
رحل وحمل على رأسه قصته .. ماشته الطيور في هجرته ورحيله لكنها نأت بنفسها أن تقرب مما يحمل على رأسه من قصة حزن خوفا أن تصيبها لعنة الحزن و أهوال الفراق..
هو لم يرحل طوعا...
ذات يوم إختلت به، وغلقت أبواب الحب ،وصارحته وقالت
هيت لك بعدا
قدت قميصه من قبل وأخذت من قلبه كل شيء جميل وأبدلته ذكريات كالحة كالليل ....
لليل معه صحبه... فالليل وحده كان ينصت لانينه
كان الليل يتخبط على ظلمته ويحاول قسرا أن يتلمس كل التجاعيد والنتوءات التي أنّت بها روحه
يحاول الليل أن يشد عليها ويضمدها لكن الانين يعلو ويعلو حتى تعلو الشمس بـــ يوم جديد..
تحت الشمس... يعري روحه ،ويعري جسده ،وفكره...
محاولا تفحص النتوءات والتجاعيد
يحاول أن يحاكي أبجديتها وان يستنطق حروفها...
من أي لغة تراها كتبت ؟
أحرفها قريبه من لغة الغدر
أسطرها وهمية تفصل فراغاتها تماما كحالات الكذب التي سجلت أصابات البشر بوبائها اللعين...
نهايتها قصة ربما لن تكتب يوما جديدا....
في عجالة من أمره ومكرها رفع رأسه لينظر الى ذاك النفق السحيق...
نفق الغد الاتي....
تخيل العابرين فوق النفق بملامح زوار الغد ...
تسأل: هل انهم سيساعدونه على ان يبني حلمه من جديد؟
أمضى هنيهات من تفكير عميق وروحه تطفو تتشبث كالغريق...
تستنجد كل الصور التي عبثت بها الرياح...
كل الرياح نبشت صدره ودفنت بها
كل الذكريات
كل الصور
صرخ مناديا بأسمها
لكن
رجع الصدى يزف إليه خيبة أنَّ صبره أخيراً التحق بركب أولئك الذين تخلّوا عنه !
فيزرع عيناه في كفه ، يشتمهما ..
ينكفيء على صمته بعد أن يودع كل الكلام
ولا يتذكر الا أن يبقى هائما لايذكر من أبجدية الضاد سوى إسمها ولا ينطق سواه...
المفضلات