كتب- د. صلاح العبّادي
تؤسس الاحزاب العقائدية المندرجة تحت مظلة جماعة الاخوان المسلمين في الدول العربية بشكل عام، وفي الاردن على وجه الخصوص على أساسٍ عقائدي، تُعطي الأولوية المطلقة للتربية الأيديولوجيّة والعقائدية؛ وتميل إلى التشدد العقائدي والتطرّف في الفكر والسلوك.
الأحزاب الأيديولوجية والعقائدية في مجملها لا تقبل في إطارها التعدّد والتّسامح والرأي والرأي الآخر، وتُمجد أيديولوجيتها وعقائدها التي لا تقبل الحوار والمناقشة ولا حتى الاستفسار، وتُسارع إلى تكفير وتخوين الآخرين والتشكيك في نواياهم ومقاصدهم وتلصق التهم بالخيانة، والكفر واللاوطنية والانتهازية والكذب بالمناوئين لها، ولا تتسامح حتّى مع من كان منهم في صفّها.
فالأحزاب العقائديّة، هي التي تدور في فلك قطب او داعية أو زعيم. وهي تتوجه بالدرجة الأولى إلى الشباب، وتميل إلى التنظيمات المليشياوية وشبه العسكرية. وحيث إنّها واحدية النّظرة، فإنّها تتصور نفسها واحدية البنية. هذه البنية تقوم على أساس المركزية الشديدة، ومنع ظهور التيّارات والكتل داخل الحزب، باعتبار أنّها تُهدد وحدته وتحدّ من فاعليّته.
الحزب يُصبح هنا مثل الجيش النظامي، فالمؤسّسة العسكريّة هي صورته الفضلى ومثاله. وتمتيناً للانضباط بين صفوف المحازبين، تطبّق هذه الأحزاب الأساليب الطقوسيّة في العمل، مثل أداء القسم، والتمييز بين العضو وغير العضو، ومن ينتمي لها ومن لا ينتمي، ومن يحمل فكرها ومن لا يحمل.. هذه الأساليب تلقي الرهبة في نفوس الأعضاء، وتجعلهم أكثر طواعيّةً بين يدي القيادة.
والاحزاب العقائدية وفي انموذجها الاحزاب المندرجة تحت اطار جماعة الاخوان المسلمين هي فكر عقائدي مستورد من الخارج، لهذا كان من الطبيعي ان تفشل في ان تكون بديلا مشروعا لتأسيس ديمقراطية حقيقة في الكثير من الدول العربية، وتقوم تكويناتها المستوردة من فكر احادي النظرة دكتاتوري المحتوى دون استثناء.
فهذه الأحزاب تعتنق عقائد مطلقةً، تُحاول من خلالها تفسير بعض قضاياها بصورة متعسّفة وأفق ضيق ، وتتوصّل بطريقة مبسّطة إلى حل الإشكاليّات، بناء على موقفها ونظرتها الأحادية المطلقة، وعلى ضوء الأصول والقواعد التي تقوم عليها دون النظر الى الطرف الآخر وإن كان يشكل الشريحة الكبرى من المجتمع؛ فهي مستعدة لاقصاء الآخر.
الاحزاب العقائدية اينما وجدت لا يمكنها أن تحقق الرضا الشعبي للمواطنين، لأنها تنظر الى القضاييا العامة من زاوية صغيرة، بعيداً عن المصلحة العامة، وعند وصولها الى السلطة تكون اسوأ من يمارسها ومن يحكم، لأنها تبقى في الافق الضيق الذي ارسيت عليه.
جماعة الاخوان المسلمين ومن خلال ذراعها الحزبي في مصر والاردن فشلت في استشراف المستقبل، والتأثير في الشارع، وابتعاد الجماهير عن طرح شعارات إسلامية أو عقائدية، يوضح مدى محدودية النفوذ الجماهيري للحركة الإسلامية والأحزاب العقائدية الأخرى، وعدم قدرتها على قيادة الجماهير العريضة، كون برنامجها العقائدي والسياسي لا يمثل قاعدة إجماع أو قبولا وطنيا عاما.
الحديث عن جماعة الاخوان المسلمين واذرعها السياسية في الدول العربية المتمثلة في احزاب ذات اطر ضيقة، لا يمكن أن نلصقها بالاسلام وصورته السمحة في التعامل مع الآخر وفقاً لمنهجية الاعتدال والوسطية، فهي تبتعد عن حقيقة الاسلام المتسامح وجوهره الجامع.
وتبقى الاحزاب الايديولوجية والعقائدية في معزل عن واقع الشعوب العربية وتطلعاتها، لأنها لا تصلح لخدمة عامة الناس، ولا يمكن أن تحصد غير التطرف والاقصاء والتفرد في الرأي والقرار على نحو يحقق مصلحتهم دون غيرهم.
المفضلات