صحافة عربية وعالمية
زواج بالإكراه
عندما دعا الأمين العام ل«حزب الله» السيد حسن نصرالله الجنوبيين الى الذهاب اليوم الى صناديق الاقتراع ليقيموا في الانتخابات «اعراساً»، لم يكن في حاجة الى هذا التجهم الذي أطل به وكأن في هذه الاعراس زواجاً بالاكراه، وليس هناك أفراح.
أغلب الظن ان وراء هذا العبوس سبباً، ان لم نقل أسباباً لعل أحدها، وهو ظاهر للعيان، هو حجم الاعتراض داخل ما يسميه سماحته بيئة المقاومة والذي عبّر عنه الناس صراحة من خلال وسائل اعلام هذه البيئة. فكان القاسم المشترك لدى المعترضين، وهم كثر سؤالاً: ما دخل الاستحقاق البلدي بقضية المقاومة؟
حتى لا يظن ان الموضوع محصور بالجنوب يمكن التأكيد ان الامر نفسه ينسحب على كل لبنان بكل محافظاته واتجاهاته وتنوعه. فبعد انتخابات الجبل وبيروت والبقاع، واليوم في الجنوب، السؤال المطروح: ماذا ينفع المدن والبلدات والقرى اذا فاز فلان سياسياً وسقط بلدياً؟ هناك نماذج لبلديات أثبتت التجارب انها نافعة حيث هي، ويا حبذا لو ان جهة ذات صدقية تتولى من الآن فصاعداً مراقبة أداء البلديات، فتثني على ما ينجح منها وتنتقد ما يفشل. وبالتالي يكون كشف الحساب بمثابة سجل مدني يجري التعامل على اساسه كل ست سنوات. ولفت الانتباه ما أثارة القيادي في حركة «اليسار الديموقراطي» حنا صالح عما يجري في بلدته كفور العربي في مرتفعات البترون حيث تدمّر البيئة الجميلة هناك من خلال مجزرة المرامل التي يجري تغطيتها بأن لا صوت يعلو على صوت المواجهة بين 14 و8 آذار!
الهيجان الذي عصف بالانتخابات البلدية بدأ من السياسة. فقائد الجيش السابق العماد ميشال عون أطلق فيروس الصراع بدعم خفي من جنرالات الممانعة الذين صوروا البلديات ساحة نزال ضد الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها في لبنان والمنطقة، وانتصاراً لخط المقاومة الذي يبدأ بطهران ويمر بدمشق وينتهي في الضاحية الجنوبية. من يجد في هذه العبارات مبالغة فليراجع اليوم كل الكلام الذي قيل والذي لا يزال يقال، وخصوصاً الآن، بدءاً من صيدا وانتهاء بالحدود الدولية مع اسرائيل. وهكذا ضاعت الطاسة ولا تزال، وأصبح من يطرح ما يخالف الساسة في بيئته متواطئاً مع خصومهم.
لن تغيّر هذه السطور مجرى الاحداث. لكن يمكن أن تستشرف الآتي. فمن الواضح ان نتائج الانتخابات البلدية ستكون أسوأ ما انتهت اليه التحولات التاريخية التي شهدها لبنان عام 2005 عندما حققت الانتفاضة السلمية الرائعة للقسم الأعظم من اللبنانيين في 14 آذار من ذلك العام الاستقلال الثاني. لكن بعد خمسة اعوام تدنى المستوى عند من يتوهمون أنفسهم قادة الى درجة مختار. أما السيد نصرالله الذي هدّد وتوعد كل من يخرج على تحالف «حزب الله» وحركة «أمل» فلم يوضح لبيئته لماذا كان التنافس بين هاتين الفئتين مشروعاً عندما كان الجنوب محتلاً عام 1998 وعندما كان محرراً، ولكن في ظل الوصاية السورية عام 2004 واليوم أصبح محرّماً عندما صار لبنان حراً كلياً؟ في المقابل لن تغتفر خطايا من اؤتمنوا على «ثورة الارز» اذا ما انقادوا في معركة طواحين الهواء وتجاهلوا مصالح الناس الفعلية. وهناك مؤشرات عدة الى انهم حرصاء على هذه المصالح، وهذا ما يطمئن.
احمد عياش
المفضلات