لم اكد أغمض عيناي حتى تمنيت فتحها ولم اكن أصدق نفسي عندما علمت بحملك وبأني سوف أصبح أمآ حتى سمعت حركتك داخل أحشائي حينها شعرت بفرحة عارمة تجتاح نفسي وحنين وشوق شديد لكلمة " أمي" ما أعذبها من كلمة وما ألطفه من شعور فجلست أرقب حركتك يومآ بعد يوم حتى حانت ساعة وصولك إلى دنيا أحضاني عندها شعرت بانني أطلب الموت فلم أجده وأطلب الدنيا فأجدها بعيدة عني فأشعر بأن مفاصلي ترتعد ووجعي وآهاتي تشتد وأطرافي تتمزق ومن الوجع والألم أتلوى وأتقطع فأشعر بأن أمعائي براكين ثائرة لا تقف ولا تهدأ ولو وصفت لك ما وصفت ساعة ولادتك يا بني لن أستطع أن أصف لك ما عانيته وكابدته تلك الفترة ساعة قدومك حتى سمعت صرخاتك مدوية في كل زاوية من أنحاء المكان وأرجاء الغرفة فلم أصدق عيني أنا كنت القريبة من الموت البعيدة عن الحياة بأنك جئت حتى هدأت نفسي وأنبلجت أساريري حينها تذكرت أن ولادتي جاءت لحظة ولادتك فأقول : لقد ولدت من جديد ولم أصدق نفسي حينما وضعتك بين ذراعي وضممتك وسط أحضاني لأرضعك لبني ممزوجآ بالحب والحنان والعطف لأشعر بعذوبة الأمومة وروعتها فأصبح لبني غذائك وماءك به يكبر حبي لك ويكبر حبك لي وتقوى صلتك بي وصلتي بك لأصبح أنا كل حياتك وتصبح أنت كل حياتي وأظل أرقب نظراتك وجميع خطواتك حركاتك مع سكناتك فيتمزق قلبي حينما أشعر بأن حرارة جسمك قد أزدادت ولو قليلآ عن معدلها الطبيعي وأحس بأن كل ما حولي أصبح سوادآ وأن الماء والطعام أصبح مرا فأتمنى ساعتها أن كل ما تشعر به من ألم ينتقل إلي بدلا عنك
فدموعك تحزنني والمك يشقيني وكم أحس بروعة الدنيا وبهجتها حينما تكبر أمام عيناي يومآ بعد يوم محفوفآ بعناية الله كزرع صغير أخضر نبت ليكبر فينتفع به يسر النظر ويبهج النفس وما أحلاها من لحظة عندما تأتيني فرحآ تجري منطلقآ تخبرني بأنك متفوقآ على جميع أقرانك من هم في سنك وما أروعها من لحظة عندما أراك تقف على دينك حريصآ على صلاتك ويزيد سروري وغبطتي عندما تأتيني وقد حفظت سورة من قرآن ربك وأضل أحلم وأحلم وتكبر معي الأحلام والأماني حتى أراك في منصب عال حائزآ على أعلى الشهادات دونما من ولا رياء فأفرح بنجاحك وتحقيق أحلامك ساعتها أشعر بأن الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق فأشعر بأني أديت دوري وأكملت رسالتي وأشعر حينها بأن الحياة مرت من حولي والسنين أصبحت اشهرآ والأشهر أصبحت أسابيع والأسابيع اصبحت أيامآ والأيام بساعات والساعات بدقائق والدقائق بثوان
ولا أرى نفسي ألا وهن جسمي وخارت قواي وبأني بحاجة ألى عكاز أتعكز عليه فتصبح بني أنت عكازي ولا ارى أمام عيناي ألا رذاذآ وضباب يجول أمامي رغم روعة الدنيا وصفائها وبهجتها فأعرف حينها أني كبرت وأن العين التي بكت خوفآ وفرحآ عليك ضعف بصرها فتصبح أنت لي البصر والبصيرة
فأتذكر شبابي والطاقة المدفونة التى كانت بداخلي والتي كانت تدفعني لكل شيء جميل تربيتك انت واختك وإهتمامي بكم حزني وخوفي عليكم عملي الذي أخلصت فيه بكل أمانة وضمير أيمانا لله وحبا للوطن حينها أجد شبابي فيك وفي أختك فاصبر نفسي على آلام الشيخوخة وأستبدلها بأن أرى نفسي هي أنت تأخذني ألى أحضانك تقبل جبهتي تمسح دمعتي وتداوي ألمي ولوعتي فتكون أنت بذلك دوائي حتى تحين ساعة رحيلي فأراك تطلب لي الحياة وأرى دمعتك فوق جبهتي تسقط حرقة ولوعة على فراقي ورحيلي وارى المصحف لايفارق يديك والقرآن الذي لقنته لك صغيرآ يخرج من فمك كالسلسبيل مرهما ودواء تعالجني به تقرأه على روحي وأرى بسمتك خفيفة على شفاهك تهمس بكلمة أمي إني أحبك فجزاك الله عن تربيتي أنا وأختي كل خير وأعدك أن تظلي بقلبي وروعة شبابك عندما كنتي أجمل أم في الدنيا تلاعبيني وتداعبيني وتقبليني وتأنبيني إن أخطأت فأقول أن قلبي يتمزق على رحيلك فمهما كبرت وعلا شأني سأظل محتاجا لك أطلب حضنك وحنانك وحبك ودعائك فسامحيني إن قصرت أو أخطأت بحقك فأجد نفسي مع دموعي المتناثرة على وجهك القنك الشهادتان وما هي إلا لحظات حتى فاضت روح أمي الطاهرة إلى بارئها بعد أن أدت رسالتها في شيخوختها وشبابها فيطوي سجل من أرضعتني لبنها وغذتني حنانها وضمتني إلى صدرها مخافة علي من غدر الأيام ووجع الليالي فأقول حينها رحمك الله يا أمي لقد كسرتي ظهري بفراقك فما أجمل العيش معك وما أجمل حبك وأحضانك فليس ما يعوضني فقدك وصدق ربي حين قال أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ولا أملك إلا أن أردد بكل صبر ولوعة أسى إنا لله وإنا إليه راجعون.
إحرصو على أمهاتكم قبل فوات الأوان فإنها باب للجنة لا يرد...
احترامي لكم ...
المفضلات