د. فايز الطراونة *
هل من جديد في مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين التي اجراها مع الغراء «الرأي» قبل أيام، ام هي مقابلة توضيحية لما هو واقع ومطروح في الساحة الاردنية، أي بمثابة وضع النقاط على الحروف؟!
لقد تناول سيد البلاد كل القضايا المفصلية التي تواجه الوطن الاردني، بتحدياته السياسية والاقتصادية، وما يدور في فلكنا الاقليمي، وبخاصة في فلسطين وسوريا, وودت ان اقرأ ما قاله جلالته بخصوص الانتخابات النيابية وما يدور حولها من جدال وغموض وتشكيك، ذلك لأنني اعتقد ان هذه الجزئية من المقابلة الشاملة هي الأهم والألح على الساحة المحلية باعتبارها بداية تنفيذ تطوير المستقبل السياسي للأردن المستند الى التعديلات الدستورية العتيدة.
وجوابي على السؤال الذي بدأت به هذه القراءة حول هذه الزاوية المفصلية في الشأن المحلي هو كما يلي:
ما قاله جلالة الملك في تلك المقابلة فيه الجديد وفيه التوضيح والحسم، وفيه ما هو أهم. فيه تحدٍ كبيرٍ لكل المطالبين بالاصلاح وتداول الحكومات بأن يأخذوا مواقعهم ومقاعدهم تحت قبة البرلمان، والتي ستكون نقطة الارتكاز للأردن الجديد الذي يرتدي ثوب الاصلاح السياسي الذي إستشرفه جلالة الملك شخصياً.
اذا الجديد، هو ان الملك يرسم خارطة سياسية للأردن القادم، وأهم ما يميز هذه الخارطة، أن إحد اثياتها نحددها نحن المواطنون الناخبون بعد أن حسم الملك الجدال والاشاعة حول يوم 23/1/2013 موعدنا مع صناديق الاقتراع. ذلك اليوم الذي سيشهد تمثيلاً حقيقياً، بشقيه الوطني والفردي، ونزيهاً كفله قانون الانتخاب وهيئته المستقلة وبحرص تاريخي بالغ الصدق من رأس الدولة والحكومة واجهزتها كافة، وبأمل مشروع ان يبتعد الناخب والمرشح عن المال السياسي.
هذه بداية تنفيذ الاصلاح السياسي الذي طالما انتظره الناس، وعلى رأسهم المعارضة، منذ زمن بعيد، والجديد هنا فيما ذهب اليه جلالة الملك في مقابلته الصحفية هو ترسيخ هذه البداية بالمرشحين أنفسهم حين حث هذه الفئة، سواء المندرجة في القوائم الوطنية او الدوائر الفردية، على ان تبني حملاتها الانتخابية على ما يقنع الناخب بأن يعطي صوته لمن يحمل الفكر والتوجه والبرامج الأقرب الى ذلك الناخب فلسفياً، وان يكون المرشح نفسه على قناعة بهذه الطروحات، وليس فقط للحصول على الاصوات، وان يتوخى المرشح الواقعية القابلة للتطبيق بما تتيحه الموارد والامكانات، وان يبتعد عن الخيال والرومانسية.
ووسّع جلالته حديثه ليشمل الفئة الأوسع وهي الناخب الذي خاطبه بلغة واضحة ليؤكد له أن لا أحد له وصاية أو ولاية على ارادته الحرة والمصانة من التلاعب والتغيير، وأن بيديه سرعة أو بطء التحولات الديمقراطية.
ثم الجديد ايضاً، في تلك المقابلة التاريخية، يقع في الأيام التالية للانتخاب حين يلتئم مجلس النواب الموقر. هنا بيت القصيد، والمحك الاساس، وبداية التحول الديمقراطي نحو الحكومات البرلمانية، فقد دعا جلالته النواب الفائزين الى تجميع أنفسهم، حسب معتقداتهم وبرامجهم، في كتل نيابية سياسية وبرامجية، دائمة وراسخة، وائتلافات موضوعية منها ما يساهم في تشكيل الحكومة المتناغمة معها لضمان حصولها على الثقة بالاغلبية المطلقة، ومنها ما يشكل معارضة «كحكومة ظل» تمد الحكومة القائمة بالرأي الآخر.
ارى في هذا التوجه دعوة صادقة من صاحب الجلالة الى ضرورة الشروع بتعديل النظام الداخلي لمجلس النواب لتمكينه من أخذ دوره الفاعل في هذه التحولات الديمقراطية.
ولا يغيب عن البال, في هذه القراءة, أنه اذا ترسخت فكرة الكتل النيابية بشكل سياسي برامجي وموضوعي فسيكون بمقدور هذه الكتل التأسيس لتكتلات سياسية تمتد الى خارج البرلمان لتحتوي, أو تتكامل, مع احزاب قائمة تؤدي بالضرورة الى انضاج الحركة الحزبية بشكل متسارع. بهذا السياق تنضج الحركة الحزبية من داخل مجلس النواب بعد أن راوحت مكانها تقريباً منذ عودة الحياة الحزبية الى المملكة أوائل التسعينيات من القرن الماضي.
وبما أن التشريع من صميم ولاية السلطة التشريعية فإن الكتل النيابية سيكون بمقدورها التوافق على قانون انتخاب جديد قد يندمج مع قانون الاحزاب السياسية فتجرى الانتخابات العامة في اللاحق من السنين على أسس حزبية – ذلك حين تنضج هذه التجربة.
اذاً جلالة الملك تحدّث عن عملية مستمرة في الاصلاح السياسي والانتخابات النيابية القادمة يوم 23/1/2013 بداية التنفيذ وعلينا جميعاً انضاجها وألا نسعى الى احباطها, سواء كنا في الموالاة او المعارضة.
فلماذا مقاطعة الانتخابات اذاً؟ أليس الوطن, على لسان قائده, يفتح سجلاً جديداً للاصلاح السياسي بما في ذلك المادة (35) من الدستور المتعلقة بتشكيل الحكومات والتي يطالب بتعديلها المقاطعون. الحكومة تسعى لنيل الثقة من مجلس النواب على اساس بيانها الوزاري حتى تستمر في ولايتها. الجديد هنا أن الحكومة لن تشكل دون علم أو دراية من مجلس النواب ولكن بالتوافق على السياسات والبرامج (أي البيان الوزاري) مع اغلبية الكتل وبالتشاور معها لضمان ثقة المجلس.. ان تم التوافق وهكذا..
من الجدير بالذكر ان الثقة في الحكومة – في الدستور الاردني قبل تعديلاته الاخيرة – كانت حجباً وليس منحاً بمعنى أن الامتناع عن التصويت كان يحسب لصالح الحكومة، وتستمر الحكومة حتى لو لم تحصل على ثقة الأغلبية المطلقة لمجلس النواب، وبعد التعديلات أصبح على الحكومة أن تنال ثقة الأغلبية المطلقة بالمنح وليس بالحجب، هذا هو صلب الديمقراطية، الذي يمهد للحكومات البرلمانية المتوافقة مع الأغلبية المطلقة، ويعظّم دور نواب الشعب، ويجعل من التوافق المسبق على الحكومة وبرامجها قبل التشكيل ضرورة ملحة، ويرشد مراثونيات مناقشات البيانات الوزارية واختصارها على الكتل المتوافقة او المتعارضة مع الحكومة المكلفة.
ويبقى، بطبيعة الحال، السياق الدستوري هو الفيصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الفصل بينهما مع ابقاء التعاون بينهما على أشده بتوازن دقيق دون تغول احداها على الاخرى – مع ابقاء السلطة القضائية في حالة استقلال تام.
نستخلص أنه لا تفضيل لاحد ولا اقصاء لاحد في الحالة الانتخابية بل ستكون ساحة اردنية مفتوحة للجميع، ولا وصاية لاحد على الناخب وارادته الحرة، كما قال جلالة الملك، ومن يرى انه يمثل نبض الشارع فعليه ان يخوض غمار الحملة الانتخابية ومن المفروض انها ستكون سهلة عليه طالما هو يعتقد انه يمثل الأغلبية.
من يريد أن يقاطع فسيبقى على مدرجات الملعب مع المتفرجين، لكنه سيساهم في احباط الاستشراف الاصلاحي منذ بدء تنفيذه، وليس له أن يدعي الاصلاح. على الجميع المشاركة ليكونوا إما من مهندسي تشكيل الحكومات القادمة أو يكونوا على مقاعد المعارضة المحاورة للحكومة والمؤثرة عليها أكثر بكثير من محاورتها خارج القبة التشريعية والرقابية.
*رئيس الوزراء السابق
المفضلات