يعتبرونها باب التعارف والتسلية
سائقو تاكسي يحترفون جر الركاب إلى الأحاديث والاختصاصيون يعيدون الظاهرة إلى "الفضول" و"ثقافة المهنة"
سائق التاكسي الذي أنهكته شمس النهار لانعدام المكيف في سيارته، احترف بعد خبرة تجاوزت عشرة أعوام، العثور على عبارات مفتاحية وكلمات يلقيها على من يركب معه بعد أن يعرف وجهته ليفتتح بها سلسلة حواراته، ما يعيده اختصاصيون نفسيون إلى "الفضول الإنساني"، فيما يرى فيه علماء الاجتماع "طبيعة مهنة" ومستلزماتها.
الأربعيني أبو أيهم يعرف كيف يجر زبائنه إلى تبادل الأحاديث وذلك "من باب التعارف والتسلية"، بحسب ما يقول.
راكبون يشكون مما يسمونه "فضولية عالية" من قبل سائقي تاكسي، يطرحون عليهم جميع أنواع الأسئلة، ويستفيدون من أي إشارة لفتح ذلك الحديث.
يقول جابر الغول (22 عاماً) إن عبارة "يعطيك العافية" التي ألقاها على السائق، كانت كافية لفتح موضوع حرارة الطقس وارتفاع الأسعار والصوم في رمضان وذكر خبرين غرائبيين من الصحافة.
غير أن الأساليب التي يتبعها بعض سائقي التاكسيات لفتح حواراتهم أصبحت معروفة عند سعاد (28 عاما)، فقد باتت تخترع أساليب لإيقاف حواراتهم أو منعها. لكن سماعة الهاتف التي استخدمتها محاولةً بذلك منع أي من تلك الحوارات باءت بالفشل، فقد لوح السائق لها بيده أمام عينيها، وراح يسألها بعد أن أزالت السماعة عن ثمن الهاتف الذي تحمله. وبإجابتها فتح "شلال" الحوار للخوض في أنواع الهواتف وأفضلها وعروض شركات الهواتف، حتى كادت سعاد أن تنسى المكان الذي تريد الوصول إليه.
ومع ازدياد خبرة السائق على الطرقات يصبح أكثر معرفة بأمور الركاب،
فعبداللطيف خلايدة الذي يعمل بهذه المهنة منذ 1997 احترف التعامل مع الركاب، لدرجة أنه بات يعرف متى تكون الطريق أمامه سالكة للخوض في حوار ومتى يتعفف عن أي نقاش.
خلايدة أصبح يستدل على الشخص الذي يمكن الحديث معه من خلال إلقائه السلام عليه حال دخوله السيارة. أما السائق خالد حسن فلم يعتد على فتح حوار مع الراكب، فهو يجد أن ذلك قد يزعجه. ويرى أن الحوارات عادة تفتح من الراكب نفسه، فغالبية الركاب يبدأون فور جلوسهم في السيارة بالحديث عن الأجواء وإلى أين هم ذاهبون، كما ويبدأون بالتذمر من الأوضاع والشكوى من الأحوال.
هناك سائقون يحتاجون أحيانا إلى الـ"فضفضة" لركابهم، خصوصاً إن كانوا يعانون من بعض الظروف الصعبة، فإبراهيم عباس باح بكثير من همومه ومشاكله لأحد الركاب.
عباس لم يدرِ كيف انفتح مرة واحدة في الحديث، وراح يتحدث عن حظه في الزواج وكيف تزوج الزوجة الأولى وطلقها بعد خمس سنوات من حياة بلا أطفال ثم كيف أقنعته زوجة أخيه بالزواج من فتاة تعرفها، اكتشف بعد زواجه منها أنها مريضة بمرض وراثي يعمل على إنقاص وزنها وشحوب وجهها، وكيف أنه يعاني الآن في المحاكم بسبب أم زوجته التي أجبرته على طلاق ابنتها.
اختصاصي علم النفس د.محمد الشوابكة، يفسر مثل هذه السلوكيات بكلمة واحدة "الفضول". ويرى الشوابكة أن الناس في مجتمعاتنا فضوليون في التعرف على بعضهم بعضا أكثر من المجتمعات الأُخرى، وأن غالبيتهم يتمتعون بالطابع الفضولي في العلاقات الاجتماعية.
أما عند سائقي التاكسي، فيرى الشوابكة أن السبب في محاولة فتح الحوارات وإيجاد مواضيع ليتحدثوا فيها هو سبب نفسي، فغالبية السائقين يعانون من تراكم نفسي وتوتر عالٍ، إضافة إلى توافر نسبة من الكبت النفسي لديهم. ويبين أن هذا "الكبت ناجم عن طبيعة عمله وظروفه المادية ودخله المحدود وتراكم المشاكل عليه"، ما يجعله يجد في الراكب "متنفسا له ليفرغ كبته ويتخلص من توتره"، مشيرا إلى أن هذا يطلق عليه في علم النفس "التبخير النفسي".
أستاذ علم الاجتماع في جامعة اليرموك د. منير كرادشة يبين أن ممارسة سائقي التاكسي لهذا السلوك عائدة إلى طبيعة المهنة؛ فمهنتهم تتيح لهم الكثير من الوقت، بقليل من الحركة.
ويقول إن "القضية لا ترتبط بالفرد بل بطبيعة المهنة"، فالوقت الذي تتيحه المهنة هو الحافز وراء فتح مثل تلك الأحاديث.
لذلك يؤكد أنها "عادة مكتسبة من طبيعة المهنة"، فيما يمكن أن يطلق عليه "ثقافة المهنة"
المفضلات