فهذه كلماتٍ يسيرةٍ متعلقةٍ بالصيام
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين، سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين. أما بعد:
فهذه كلماتٍ يسيرةٍ متعلقةٍ بالصيام كنتُ قد عزمتُ على كتابتها خدمةً لإخوانيَ المؤمنين، وقوَّى من عزمي طلبُ بعض إخواننا ذلكَ من أجل جمع كلمة المسلمين والعمل على تضييق الخلاف.أسألُ الله تعالى أن ينفعَ بها، وأن يوفقنا لصيام شهر رمضان المبارك وقيامه، وأن يتقبل منا، ومن جميع المسلمين صالح الأعمال، إنه سميعٌ مجيب.
1. فضل الصيام: ورد في فضل الصيام أحاديث كثيرة منها: ما أخرجه الامام أحمد، والنَّسائي عن سيدنا أبي أُمامه (رضي الله عنه) قال: " لاقيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقلت: مُرني بعمل ٍيُدخُلني الجنة، قال: عليك بالصوم، فانه لاعِدْلَ له ". وما رواه البخاري ومسلم عن سيدنا سهل بن سعد (رضي الله عنهم)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: " إن للجنة باباً يقال له الريّان، يقال يوم القيامة: أين الصائمون؟ فإذا دخل آخرهم أُغلق الباب ". وما رواه البخاري ومسلم عن سيدنا أبي سعيد الخُدري (رضي الله عنهم)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: " لايصوم عبدٌ يوماً في سبيل الله إلا باعَدَ الله بذلك اليوم النارَ عن وجههِ سبعينَ خريفا ".
2. صوم شهر رمضان، وفضله، والترهيب من فطره بغير عذر: إن الصيام هو أحد أركان الاسلام الخمسة، قال النبي (صلى الله عليه وسلم): " بُني الاسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان " رواه البخاري ومسلم.
وقد فرض الصيام لليلتين مضتا من شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة المباركة. ومما ورد في فضل صيام شهر رمضان ما رواه الامام أحمد، وأصحاب السنن، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:
" من صامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفرَ لهُ ماتقدمَ من ذنبه ". ومعنى إيماناً: أي اعتقاداً بفرضيته. ومعنى إحتساباً: أي طالباً وجه الله تعالى، وثوابه.
وقد حذر الشرع من التهاون في القيام بهذه الفريضة، فقد أخرج الأئمة أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وغيرهم، أن النبي ( صلى الله عليه وسلم) قال: " من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله لم يقض ِ عنهُ صيام الدهر ". والمعنى: إن من أفطر يوماً من رمضان بغير عذر مشروع، فإن أجر صيام ذلك اليوم قد فاته، وإن صام بدلاً عنه حياته كلها.
قال الإمام الذهبي (رحمه الله): " وعند المؤمنين مقرّرٌ أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ٍ أنه شرٌ من الزاني، ومُدمِن الخمر، بل يشكّون في إسلامه، ويضنون به الزندقة، والانحلال ". فأحذر أخي المسلم من التهاون بهذه الفريضة، وذكر من تعولُهم بأهميتها. وحذِّرهم من التهاون بشأنها، أو المجاهرة بالافطار نهار رمضان.
3. أركان الصيام: لابد لصحة الصيام من أن يتوفر فيه أمران:
الأول: النية، ولابد أن تكون قبل الفجر، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " من لم يُجمِعِ الصيام قبل الفجر، فلا صيام له ". رواه الامام أحمد وأصحاب السنن، ومعنى يُجمع: أي يعزم، ويقرر الصيام. أما صيام التطوع، فإنه لايشترط فيه النية من الليل، ويصح الصيام إذا نواه في أي ساعة من النهار إن لم يكن قد أكل أو شرب شيئا.
الثاني: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
4. على من يجب الصيام: يجب الصيام على كل: مسلم، بالغ، عاقل، صحيح، مقيم.
والمرأة فإنه يجب لصحة صومها طهارتها من الحيض والنفاس، والحامل أو المرضع يجوز لها الإفطار، ثم القضاء بعد ذلك، أو دفع الفدية كما يرى بعض العلماء.
والصّبي وان لم يكن واجباً عليه الصيام، فإنه يستحب لوليّه أن يعوّده عليه من صغره كما كان يفعل أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أولادهم.
والمسافر إذا كان قادراًً على الصيام، فإنه يستحب له الصيام، لقوله تعالى: " وأن تصوموا خير لكم " سورة البقرة، من الآية (184)، فإذا تأذى المسافر من الصيام، فإنه لايجوز له، لأنه ليس من حقه الإضرار بنفسه.
5. آداب الصيام: يستحب للصائم مراعاة الآداب الآتية:
أولا ً. السحور: لقوله (عليه الصلاة والسلام) فيما رواه البخاري ومسلم: " تسحروا، فإن في السحور بركة ". وسبب البركة أنه يقوّي الصائم، ويهوّن عليه الصيام، ولذلك يستحب تأخيره إلى وقت قريب من الفجر حتى يحقق الغاية منه، لا كما يفعل بعض الناس أنهم يتسحرون متى ينامون، وينتهون من مشاهدة التلفاز.
ثانيا ً. تعجيل الفطر: يستحب تعجيل الفطر متى تحقق الصائم من غروب الشمس، قال (عليه الصلاة والسلام): " لايزال الناس بخير ماعجلوا الفطر ". رواه البخاري ومسلم.
ثالثا ً. الدعاء عند الفطر، وأثناء الصيام: قال (عليه الصلاة والسلام): " إن للصائم عند فطره ِ دعوة ً ما تُرد " رواه ابن ماجة. وقال (عليه الصلاة والسلام): " ثلاثة لا تُرد دعوتهم: الصائم حتى يُفطر، والإمام العادل، والمظلوم " رواه الترمذي، ويستفاد من قوله (صلى الله عليه وسلم) الصائم حتى يُفطر، إستحباب الدعاء طول مدة الصيام، فأكثر أخي المسلم من الدعاء أثناء الصيام لك وللمسلمين، وأن يفرِّج الله عنّا مانحن فيه.
رابعا ً. الجود، ومدارَسَة القرآن: وهما مستحبان في كل وقت، ولكنهما في رمضان آكد، أخرج البخاري بسنده عن سيدنا ابن عباس ( رضي الله عنهما) قال: " كان رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاهُ في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فَلَرسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) أجودَ بالخير من الريح المرسلة ".
فأكثر أخي المسلم من قراءة القرآن في رمضان، وتدبر معانيه، والتزم بأحكامه، ففي ذلك الفوز العظيم في الدنيا والآخرة، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعتُه الطعامَ والشهوات بالنهار، فشفِّعْني فيه، ويقول القرآن: أي رب منعتُه النومَ بالليل، فشفِّعْني فيه، فيُشفَّعان ". رواه الامام أحمد (رحمه الله).
خامسا ً. الكف عما يتنافى مع الصيام: إن الصيام عبادة من أفضل القربات، شرعه الله ليهذِّب النفس. ويعوِّدها الخير، فينبغي أن يتحفظ الصائم من الأعمال التي تخدش صومه حتى ينتفع بالصيام وتحصل له التقوى التي ذكرها الله تعالى في قوله: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " سورة البقرة – الآية 183، وليس الصيام مجرد إمساك عن الأكل والشرب، وإنما هو إمساك عن سائرمانهى الله عنه، قال (عليه الصلاة والسلام): " مُنْ لم يَدَعْ قول الزور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامُه وشرابه " رواه البخاري وأبو داود وغيرهما. وقال (عليه الصلاة والسلام): " رُبَ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَ قائم ليس له من قيامه إلا السهر ". رواه النَّسائي وابن ماجة.
سادساً. الاجتهاد في الطاعة في العشر الأواخر من رمضان: يُستحبُ للمسلم أن يجتهد في الطاعة في العشر الأواخر من رمضان رجاءَ أن يحظى بليلة القدر، وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) وكما روى الامام مسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لايجتهد في غيرها. تقول السيدة عائشة (رضي الله عنها): " قلت يارسول الله، أرأيت إن علمت أيَّ ليلةٍ ليلةُ القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عَفُوٌ تحب العفوُ فاعفُ عني " رواه الامام أحمد والترمذي. فأكثر أخي المسلم من هذا الدعاء في العشر الأواخر من رمضان. هذا ولابد من تذكير إخواننا المؤمنين بضرورة استثمار نهار رمضان وليليه بما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم، وأن لايقضوا أوقاتهم بمشاهدة المسلسلات التي لاتعود عليهم في الغالب بما ينفعهم، وأن يذكرِّوا من هم مسؤولون عنهم بضرورة استثمار الأوقات الفاضلة والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات.
6. مباحات الصيام: يُباح للصائم الأمور الآتية:
أولاَ. نزول الماء، والاغتسال فيه، وأن يَصُبَّ الماء على رأسه من العطش والحر.
ثانياً. المضمضة والاستنشاق من غير مبالغة.
ثالثاً. زَرقُ الإبر الطبية.
رابعاً. قلعُ السنِّ اذا كان بحاجة إلى قلعه، وصومه صحيح إذا لم يدخل شيءٌ إلى جوفه.
وإذا تقيأ المسلم فصومه صحيح، ولكن إذا تعمد القيء فصومه غير صحيح، وعليه القضاء.
ومن أكل وشرب ناسياً فصومه صحيح، فإنما أطعمه الله وسقاه كما ورد في الحديث الذي رواه الجماعة. ويحق للمسلم أن يأكل ويشرب من غروب الشمس الى طلوع الفجر، فإذا أذّن المؤذن وجب عليه الكف عن الطعام والشراب وسائر المفطرات، لاكما يتوهم بعض الناس فيتصورون جواز الأكل والشرب حتى ينتهي الأذان، فإن هذا مبطل للصيام، ولذلك فالأولى للمسلم أن يمسك عن الطعام والشراب فبل دقائق من آذان الفجر.
7. زكاة الفطر: وهي واجبة على كل فرد من المسلمين، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، فيخرجها
الانسان عن نفسه، وعمن يعولهم. والحكمة منها: أنها طهرةٌ للصائم مما يقع فيه من اللغو وفضول الكلام، وغير ذلك من الأمور التي قد تنقض الصيام، ولتكون هذه الزكاة طعمة للفقراء والمساكين، ففي إخراج صدقة الفطر في ذلك اليوم إشعار لهم بانتمائهم للمجتمع، وإطعام لهم، ومشاركتهم في سرور العيد وفرحه.
8. مقدار زكاة الفطر: الواجب فيها صاع من غالب قوت البلد، والصاع يساوي كيلوين ومئة وستة
وسبعين غراما. ويرى بعض العلماء، جواز إخراج القيمة، وهذا ما ذهب اليه الامام الأعظم أبو
حنيفة (رحمه الله)، وهو مرويٌ عن: عمر بن عبدالعزيز، والحسن البصري، وسفيان الثوري،
وعطاء (رضي الله عنهم)، فالمسلم مخيّر بين إخراج هذه الزكاة صاعاً من طعام، أو شعير، او
تمر، او أن يخرج القيمة. وتجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر ليلة من رمضان، وأجاز
بعض العلماء إخراجها قبل ذلك بيوم، أو يومين، أو أكثر من ذلك.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. وتُبْ علينا إنك أنت التوابُ الرحيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلّم تسليماً كثيرا.
الدهيني
نضده الفقير الى رحمة الله
عبدالله العزاوي
الأحد 25 شعبان 1430 هـ - 16 آب 2009 م
الفاتحة على روح الحاج نجم عبدالله الصقال القريشي العزاوي ( أبو سهيل )، وروح الحاجة زوجته، وروح ولدهما الشهيد عبدالقادر (رحمهم الله تعالى)
رد مع اقتباس
المفضلات