لغة الحوار قاسية بيننا... أحداث المفرق نموذجا
بقلم: أحمد عطاالله النعسان
الحوار كما عرفه بعض أهل اللغة هو مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين أو أكثر، وعرفه بعضهم بأنه نوع من الحديث بين شخصين، أو فريقين يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة، فلا يستأثر أحدهما دون الآخر ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب، وهو ضرب من الأدب الرفيع وأسلوب من أساليبه، فالحوار الحقيقي كما قرأنا هو في البداية أدب رفيع وأسلوب حضاري للحديث، وهو تبادل للأراء والأفكار وإقناع بحجة دون خصومة ولا جدال عقيم بل ومراجعة للكلام أي لا يتعصب أحد لرأيه إن وجد أن قبيله أو محاوره على صواب وهو على خطأ، إذا الهدف من الحوار هو إيجاد حلول لمشكلة معينة أو طرح أراء حول موضوع بعينه أو مناقشة لوجهات نظر بين أناس مختلفين فكريا أو سياسيا أو ... ، ولكن المتابع للأسف لساحتنا المحلية يلمس مقدار العنف الذي نعاني منه ولا أتكلم هنا عن عنف الجامعات أو العنف المجتمعي أو إغلاق الشوارع، أتحدث عن العنف والقسوة بالحوار إن وجد حوارا أصلا في بعض الأحيان، نحن نعاني في بلدنا الحبيب من غياب حوار منطقي عقلاني يناقش الأمور والمعضلات التي يواجهها بلدنا الحبيب بدون تشنج أو تعصب أو قذف وشتم لأحد دون أن تتربص بعض وسائل الإعلام لزلة سياسي أو هفوة محنك بالإعلام أو غلطة مفكر أو مبدع، من المفروض أن يتقبل كل واحد منا رأي الآخر دون تجريح للأشخاص وطعن بالأعراض أو الإقتراب من تكفير أو تخوين، ودون أن يشعر أحدنا الآخر أنهما يسيران في إتجاه متوازي ولا يمكن أن يلتقيان أبدا، إن ما يجمعنا في أردننا الحبيب أكثر بكثير مما يفرقنا أو هكذا يجب أن يؤمن الجميع، نحن نشترك بوطن واحد ومصير واحد وعروبة واحدة وبتاريخ واحد وقبل كل هذا يجمع أكثرنا دين واحد، ويجمع الغيورين على البلد هم واحد هو الإصلاح وإن اختلفت وجهات النظر بطرقه وأدواته، لا أحزاب متناحرة مع بعضها ولله الحمد، لا مليشيات مسلحة خارجة عن القانون، مع اعترافنا بحدوث الكثير من التجاوزات والأخطاء من بعض المسؤولين الذين أساءوا بها لبلدهم ولأهلهم ولأنفسهم أولا، ولكن من غير المقبول أبدا أن يكون العنف طريقا للإصلاح، فالإصلاح يعني البناء والتحديث ومحاربة الأخطاء ومحاسبة الفاسدين ومواكبة العصر تكنولوجيا وعلميا وعسكريا لا مواكبته إنحلالا خلقيا وعنفا سلوكيا وتفككا إجتماعيا.
إن ما حدث يوم الجمعة في المفرق أزعجنا في غربتنا؛ لأن هناك متربصون وحاقدون على أردننا الغالي ويحاولون تضخيم أي شيء يحدث على أرضه الطاهرة، ويزعجهم استقراره رغم الأحداث الجسام من حوله، ومصدر الإزعاج الرئيسي كان من خلال إقامة المسيرة بهذا الشكل والذي فهم أنه تحدي لأبناء قبيلة بني حسن الكرام وهو بكل تأكيد لم يكن كذلك أو هكذا أتمنى طبعا، والسبب الآخر الذي لا يقل أهمية عن الأول هو ردة الفعل العنيفة من تكسير وحرق وإعتداء على مقر الجماعة مع أنه صدر عن فئة قليلة ومحدودة، والسبب الثالث الكلمات القاسية التي جاءت في بيان جماعة الإخوان على الأحداث والتي وصلت إلى التعدي اللفظي الجارح وغير المقبول بل وقال أحدهم محذرا الدولة من قيام بعض الأشخاص والجماعات بعمل مليشيات لحماية بعض الأشخاص أو الممتلكات.
أين الحوار العقلاني أو حتى غير العقلاني فيما حدث أو بالأحرى أين الحوار نفسه، ما حدث عبارة عن مناكفة خسر جميع أطرافها وخسر معهم الوطن بإثارة بلبلة كبيرة ومشاكل عظيمة من معضلة كان بالمقدور حلها بسهولة من خلال التفاهم والوصول إلى حل يرضي الطرفان ويقبله كل أحرار البلد، فأرجو وأتمنى أن نحتكم إلى لغة الحوار والتعقل، وأتمنى من الجميع إعتماد وتبني مبدأ المناقشة والحوار والإبتعاد عن الصخب والمجادلة العقيمة وتجنب الصراخ الذي يعتقد البعض بأنه يجعل منهم مشهورين أو مقبولين عند الآخرين، إن عقلية "خذوهم بالصوت" ولت إلى غير رجعة فلقد وصل أبناء الأردن ولله الفضل والمنة إلى درجة من الوعي والثقافة والعلم ما جعلهم مؤهلين لتسلم مناصب عديدة على مستوى العالم فلم يعد السواد الأعظم منهم يهتم أو يكترث بتلك التفاهات، فأرجو من الجميع عندما يتحدثوا عن الوضع بالأردن أن يفكروا مليّا قبل أن يبدأوا بالحديث؛ لأنني أشعر بالكثير من الأحيان بالتناقض الشديد بين الآراء، فأحدهم يشعرك أنه يتحدث عن سلطنة بروناي والآخر يبين بأن وضعنا الداخلي أصعب من الأوضاع بالصومال، إن العالم من حولنا يمر بتغييرات جوهرية لذا يجب أن نكون على قدر المسؤولية والحذر على مصلحة الوطن وأمنه وأمانه، فالحديث عندما يكون عن الأردن يجب أن يكون حديثا صادقا وواقعيا؛ لأنه يؤثر على سمعة البلد الطيبة جدا ولله الحمد في مجالات عدة كالطب والسياحة والمشاريع الإستثمارية وطيبة وكرم وأصالة وعزة نفس أبناء البلد النشامى، لذلك علينا عكس الصورة الحسنة والمشرقة عن بلدنا الغالي، وهذا لا يعني إغفال الجانب السلبي وعدم المطالبة بإيجاد حلول مناسبة ووضع حد للفساد وأهله. حفظ الله الأردن من كل سوء وأبعد عنه الغلاء والفحشاء والفتن ما ظهر منها وما بطن إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المفضلات