وتظل حكايات المناطق البعيدة المهمشة ، البعيدة عن الضوء ، المشغولة بعذاباتها وأنينها ، المملوءة عن بكرة أبيها بقصص لا تنتهي عن الموت والدمار .......
حسين الذي عاش في طفولته في مقديشو ، وشهد سقوط الرئيس محمد سياد بري ، وشهد من شرفة منزله سحل الجنود الأمريكيين في شوارع العاصمة ، وظل مرافقاً شخصياَ لأحد الجنرالات قبل أن تفتك بالجنرال رصاصة قناص ......
وتنقل في أنحاء مقديشو الموبوءة بمرض الميليشيات والقتل اليومي ، وتزوج في ظل هذه الظروف ، وأنجب ثلاث بنات وطفل...
وانتقل بهم في فترة لاحقة لأحد مخيمات اللاجئين قريباً من الحدود الأثيوبية ، ولكن كل الظروف القاسية التي مر بها في حياته السابقة أصبحت لا تقارن بمعاناة هذا العام ، حيث فتك الموت جوعاً بعدد لا بأس به من سكان المخيم وانتشرت الأمراض المعدية ، وفقد حسين في هذه الظروف البالغة السوء طفلة لم تتجاوز من العمر خمسة أعوام .....
وقرر في صبيحة أحد الأيام التوجه فيمن بقي من أسرته إلى إقليم أوغادين ، حيث بلغه أن هناك ما يكفي من الطعام في تلك المخيمات لإبقائه حياً مع أطفاله ......
وحملت العائلة معها ما خف حمله وخف ثمنه ، وظلت هذه الأسرة تسير في الطريق الترابي المؤدي للمخيم ، وقد تشققت أرجلهم ، وظل الغبار المتكدس على أقدامهم وسيقانهم شاهداً حياً على مشقة الرحلة ، ووضعها في خانة المغامرة الغير مضمونة النتائج .......
كانت الدلالات في الطريق وحديث من صادفهم في رحلته تشي باستحالة الوصول ، وصار مشهد القبور الحديثة لأطفال ، ونساء مع أطفالهن قتلهن المخاض ، وعائلات بأكملها قتلها الجوع والعطش ، حدثاً متكرراً ، وهو يمشي ولا يشاهد في الأفق سوى السراب الممتد على مدى النظر ........
لقد وصل مع عائلته إلى أول المخيمات واستبشر خيراً بسلامة الوصول ، وقد نفذ كل ما أحضروه من ماء أو بقايا غذاء ......
وبعد أن تمت إغاثتهم بالماء وبعض الطعام ، خرج يتجول حول المخيم وتوجه إلى صخرة غير بعيدة قبيل الغروب ، واستفاء بظلها وأخذ نفساً عميقاً ، وأحس بحركة ناعمة فوق رقبته !!!!!!!!
لاحظ تلك الأفعى التي مرت فوق رقبته ، وانسلت إلى الجهة الأخرى من الصخرة ، ولكنه في هذه الأثناء ظل بلا حراك ، وشعر بنعاس واختناق وثقل على صدره ، وعدم قدرة على الحركة أو الصراخ .......
بعد أن عاين الجثة فريق طبي متطوع يعمل في المخيم في اليوم التالي ، أكتشف أن الوفاة كانت طبيعية ...
المفضلات