رحلة إلى الدار الآخرة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ؛ أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
من المعلوم أن الله عز وجل هو الذي خلقنا قال تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان في
أحسن تقويم } ، والله عز وجل خلقنا لعبادته ، قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ، ومهما عشت يا ابن آدم في هذه الحياة فإنك ميت ، ومهما أحببت فإنك
مفارقه ، قال الله تعالى : { إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } ، سورة الزمر
ثم إن الإنسان إذا مات انتقل إلى حياة البرزخ قال تعالى : { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ، وقال في سورة عبس : { قتل الإنسان ما أكفره(17) من أي شيء خلقه (18) من نطفة خلقه فقدر (19)ثم السبيل يسره(20) ثم أماته فأقبره (21) ثم إذا شاء أنشره (22) } ، وفي القبر إما أن ينعم الإنسان أو يعذب والعياذ بالله ، وهذا قبل يوم القيامة ، فإذا قامت الساعة ، وخرج الناس من قبورهم حفاةً عراةً غُرْلاً - أي غير مختونين – قاموا للقاء ربهم الذي لا تخفى عليه خافية في السماء ولا في الأرض ، عندها يحشر الناس إلى ربهم المتقون والمجرمون ، فيحشرون في أرض بيضاء لا معالم لها ، قال صلى الله عليه وسلم:
" يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كَقُرْصَةِ النَّقِي ليس فيها عَلَمُُ لأحدٍ " ، قال تعالى : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا [ الكهف :47-48[ وذلك موقف لا يتخلف عنه أحد ، قال تعالى : { وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً } ، ويحشر الناس على ثلاثة أصناف ؛ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : " يُحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف ، صنف مشاة ، وصنف ركبان ، وصنف على وجوههم " ، قيل : يا رسول اللـه كيف يحشر الكافر على وجهه ؟! فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " أليس الذي أمشاه في الدنيا على رجلين قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة ؟ " فالتقي يحشر راكباً ، والذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فيحشر ماشياً ، والذين يمشون على وجوههم هم الكفار والعياذ بالله ، وهؤلاء الكفار لا حساب لهم فليس لهم حسنات ؛ بل أعمالهم كلها سيئات فيوقفون على أعمالهم ، على شركهم ، وعلى كفرهم ، وعلى جحودهم ، وعلى معاصيهم ، فإن أنكروا ؛ شهدت عليهم جوارحهم ، قال تعالى : { يوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }] النور: 24 [ ، فلا يقدرون على الجحود ، وأما المؤمنون فيحاسبهم الله ويعرض عليهم أعمالهم، ويُقررهم بها ويجازيهم عليها ، وينقص من الحسنات بقدر السيئات ، فإذا كان للعبد حسنات كثيرة وسيئات كثيرة ، أخذ من الحسنات مقابل السيئات ، وما بقي له من الحسنات جُوزِيَ عليها .
ومن المعلوم أن الله سبقت رحمتُه غضبَه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه : إن رحمتي سبقت غضبي " ، والله عز وجل يضاعف الحسنات ، قال تعالى : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا } ، فمسكين من غلبت آحاده عشراتِه ، وهنيئاً لمن غلبت عشراته آحادَه ، وهذا عباد الله جانب من الحديث عما ينتظر الإنسان في الآخرة ، فليعد كل إنسان نفسه لهذا الموقف العظيم .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، أما بعد :
فكثيراً ما نرى من يتحدث بالخلويات داخل المساجد التي هي بيوت الله ، وتسمع أصوات المعازف خارجة من هذه الخلويات ، والأصل على الإنسان المسلم إذا بيت الله عز وجل ، أن يترك أمور الدنيا خلفه ، فالمسجد إنما هو للصلاة ، وقراءة القرآن ، وذكر الله ، وطلب العلم ، ونحو ذلك ، فإذا دخل الإنسان بيت الله ، فلا يزعج المصلين برنين هاتفه ، وعليه أن لا يضع الموسيقى رنة لجهازه ، فيضع صوتاً لا معصية للخالق فيه ، كصوت عصفور مثلاً ، أو صوت نهر ، وغير ذلك ، وليجتنب المعازف ، كما ليجتنب وضع الآيات القرآنية نغمةً لهاتفه ، فالقرآن لم يُنَزَّل ليكون نغمة للهواتف ، إنما لقراءته والعمل به ، فإذا دخلت المسجد ؛ فإما أن تغلق الهاتف ، أو أن تجعله صامتاً ، فتكون ممن يعمرون بيوت الله عز وجل بتقواه سبحانه وتعالى .
خطبة الجمعة 29/1/2010
ممنوع وضع اميلات عفوا
المفضلات