عمان - الرأي- لم يخطر ببال (سمير بندك) انه سيستبدل يوما ما، بندقية الصيد بكاميرا، وهو الصياد المحترف والمتمرس، والذي جاب البلاد طولا وعرضاً بحثا عن فريسة، والخبير باماكن الصيد ومواسمه .
يقول البندك، «تعلمت الصيد وأحببت هذه الهواية منذ صغري، كان والدي ومجموعة من اصدقائه من هواة الصيد، في الفترة التي لم يكن فيها قوانين أو تشريعات تمنع الصيد، حيث كانوا يعرفون مواسم الصيد، والاماكن التي تتوفر فيها كل أنواع الطيور والحيوانات بإختلاف أنواعها، كذلك فترات تكاثر الطيور، ولكن بسبب كثرة الحيوانات والطيور في تلك الايام مع قلة أعداد الصيادين آنذاك، والالتزام الذاتي من قبل الصيادين، لم يكن هنالك أي تهديد على انقراض هذه الكائنات».
ويضيف البندك «في نهاية الخمسينات من القرن الماضي، كانت المملكة مفتوحة بكل مناطقها للصيد، وكان عدد الصيادين قليلا، حيث لا يضطر الصياد للذهاب بعيداً للبحث الفرائس، لذلك كانت مناطق مثل ماعين، الموجب، وحتى جبال السلط والقرى المجاورة هي المناطق المفضلة للصيادين، أما بالنسبة للمناطق البعيدة مثل ، ضانا وفينان فقد كانت مقصداً للرحلات الطويلة والتخييم، وكانت تكلفة تلك الرحلات لا تتجاوز الخمسة دنانير».
ويتابع البندك «إلا أن الاتجاه لإقامة نوادي الرماية بدأ في أوائل الستينات من القرن الماضي، حيث صار الصيادون يلجأون لها، وكما هو متوقع، مع إزدياد عدد السكان إزداد عدد الصيادين، وبدأت أعداد الطيور مثل الحباري بالتناقص حتى أوشكت على الانقراض كلياً من المملكة، فيما تراجع أعداد الطيور المحلية كالحجل والسفرج».
وقال «خلال ممارستي لهذه الهواية تعرفت على كل ربوع البلاد، خاصة الاماكن البرية، فعشقتها وعشقت الطيور والحيوانات البرية، فقررت أن احتفظ بصور الطيور والحيوانات بدل صيدها، فإستبدلت البندقية بكاميرا، وكان قراراً صعباً ان أتخلى عن هذه الهواية التي لازمتني طويلاً، لكن حب الطبيعة وطيورها أهم من هواية الصيد».
وينوه البندك، الى أهمية الاستفادة من خبرات الصيادين في توثيق بعض الأنواع والكائنات الحية كون غالبية الصيادين، وخصوصاً ممن مارسوا هذه الهواية لأكثر من 20 عاما وصلوا لأماكن كان من الصعب الوصول اليها وبالتالي فان الأنواع المسجلة لم تكن بالضرورة موثقة.
ويدعو البندك، الصيادين أن يجربوا الصيد بالكاميرا مبينا أن «ثمن الكاميرا أرخص بكثير من ثمن البندقية» ويقول أن على الصيادين الاهتمام بالكائنات الحية، ومعرفة أن هنالك طيورا مهاجرة تقطع آلاف الكيلومترات، تحافظ على النظام البيئي نتيجة لاختلاف غذائها فمنها الذي يتغذى على اللحوم كالصقور والنسور، ومنها الذي يتغذى على الأسماك كالبط وغيره.
ويروي البندك قصة عاشها مع والده في منطقة ماعين خلال اواخر الستينيات، ويقول انه وجد صقرا يحوم عاليا فأراد اصطياده لكن والده ردعه بحجة أن لا فائدة من اصطياده وطلب منه أن يراقبه وبعد فترة من تحليقه وجد الصقر ينزل مسرعا ليصطاد أفعى ويحلق عالياً.
أما رعد شقمان، الذي كان مولعا بالأسلحة وملما بأنواعها، فأراد أن يجرب الصيد، فرافق مجموعة من الصيادين مرات عديدة لكنه مع مرور الوقت بدأ يلاحظ ان بعض تصرفات زملائه ليست رفيقة بالبيئة، فكانوا يمارسون ممارسات مضرة بالبيئة كاصطياد أنواع من الطيور والأرانب البرية.
وهذه الممارسات جعلته يشعر بعدم الرغبة بالاستمرار بمثل هذه الرحلات، لكن وبسبب رغبته الملحة بالتجوال واكتشاف المناطق البرية في مختلف مناطق المملكة، فبدأ بتطوير نفسه ليكون دليلاً مختصاُ في مناطق الوديان ليمارس ذلك مع مجموعة من الأصدقاء خلال أوقات الفراغ، وزاد استمتاعه برؤية الطيور والحجل خلال رحلات الاستكشاف المختلفة خصوصاً الى الوديان المائية، كوادي زرقا ماعين ووادي مخيريس وغيرهما، وهو يشجع الجميع على عمل مثل هذه الرياضات، ورؤية الكثير من الكائنات الحية خلال رحلات التخييم والمراقبة عوضاً عن الصيد وخصوصاً الجائر.
أما عن الأسلحة، وهوايته بمعرفة كل جديد عنها، فهو يمارس هواية الرماية من خلال أندية الرماية المرخصة، التي يستمتع فيها من دون قتل الكائنات الحية التي يفضل رؤيتها حية في اماكنها الطبيعية.
عقبة فرج، مصور فوتوغرافي، يشاطر البندك نفس الهواية ونفس الهموم، فيقول عن تجربته في الصيد، أنها بدأت منذ الصغر، ولم يكن يتجاوز الـ 12 عاماً، عندما كان يرافق شقيقه الأكبر في رحلات الصيد.
ويستذكر فرج، «في احدى رحلات الصيد برفقة شقيقي، أخذت البندقية وسددت وأطلقت على أحد الطيور ونتيجة لصغر سني لم أتمكن من حمل البندقية بشكل جيد، فإرتطمت البندقية بفكي وجرحته ، كلما أذهب برحلة صيد أتذكر تلك الحادثة».
وعن سبب أختيار الكاميرا بدل البندقية يقول فرج، ان تعرف على مجموعة من هواة مراقبة الطيور، وبدأ بمرافقتهم ليتعرف أكثر على الطيور وأنواعها، فكانت هذه الرحلة هي سبب تحوله والبدء بتصوير الطيور، وشعرت أن بدخلي عالما آخر ويظهر لي شيئا مميزا لم أكن أعرفه ، وهو حب تصوير الطيور ومن ثم محاولة تصنيفها ومعرفة عاداتها.
ويذكر أنه وفي احدى المرات، خلال وجوده في الميدان لتصوير الطيور، اذ ببقايا طائر كبير الحجم ، يعتقد أنه عقاب، فشعر بالأسى على هذا الطائر كون صيده لا يحقق أي فائدة للصياد، وكون صيده يظهر مدى جهل الشخص الذي صاده، فصوره وعرف لاحقاً أنه من الأنواع المهاجرة التي تعبر المملكة خلال رحلات الهجرة.
ويضيف فرج « أصبحت بعد فترة أعرف أن هنالك طيوراً مهددة بالانقراض، تعبر المملكة خلال فترات الهجرة، فأبحث عنها لتصويرها، وتوثيق عبورها في سماء المملكة كالصقور والعقبان وغيرها، مثل الرها الأبيض والشنار التي مازلت أرغب بتصويرها على الرغم من امتلاكي لمجموعة كبيرة من صورها».
ويزيد «تشكلت لدي قناعة بان «صيد الصور» له جماليته وخصوصيته، فأنزل للميدان مرات عديدة للتصوير والتقاط الصور، ومن الطيور التي أرغب بتصويرها الحسون الذهبي».
ويوضح فرج، بأنه ومن خلال امكانيات التكنولوجيا المتاحة بكل يسر، اصبحت لديه مجموعة كبيرة من الصور، التي يشاركها زملاؤه واصدقائه من خلال المواقع الالكترونية المختلفة، وهو غالباً ما يراه اسهامات وتعليقات بشكل مستمر على تلك الصور من اشخاص لا يعرفهم، مما يزيد من سعادته.
واضاف «خلال احدى الرحلات الى منطقة وادي عربة، استوقفنا رجل أمن عند نقطة تفتيش للسؤال عن الطريق، فإذا بأحد رجال الأمن يمسك بيده عقابا ميتا دون أي رصاصة، في لحظتها، نسيت موضوع الرحلة وكان همي الحصول على ذلك الطائر، فسألت رجل الأمن اذا كان يريده، فأجاب بالنفي، فأعطاني اياه، وعند سؤاله عن مصدره أجاب بأنه كان قد تعرض لصعقة كهربائية نتيجة لوقوفه على أعمدة الضغط العالي في منطقة قريبة. وبعد الرجوع الى عمان، قمت بالبحث عن شخص متخصص بالتحنيط وتسليمه الطائر، وبعد اسبوع عرفت أن موظفي الجمعية قاموا بضبط مجموعة من الطيور المحنطة، وكان العقاب بينها.
ويختم فرج برسالة للجمعية الملكية لحماية الطبيعة، أن تعمل على كسب الصيادين ليكونوا فريقا داعما للجمعية وللطبيعة من خلال التواصل معهم وتوعيتهم قدر الامكان خصوصاً فيما يتعلق بالانواع البرية ومدى التهديد الحاصل عليها نتيجة للمخاطر المختلفة مثل الصيد والتلوث.
المفضلات