مقالات
التسرب من المدارس يجافي منطق الحقائق!
يجافي منطق الحقائق التي تسود انجازات بلدان، ان تكون ما تزال تعاني من مشكلة تسرب الطلبة في سن الدراسة من مدارسهم وهجر مقاعد الدراسة، ايا كانت الاسباب فالمشكلة هنا تنطلق ليس من عدم توفير صفوف يلتحق بها الطفل منذ حلول سن الالتحاق بالمدرسة، ولكن تسرب هذا الطفل من مقعده في صف قائم غالبا ما يكون في وسط التجمع السكاني حيث يعيش وان حدث وكان بعيدا فان المسافة التي يقطعها هذه الايام، لا تساوي شيئا امام ما كان يقطعها طفل بدايات النهضة التعليمية التي بدأناها منذ الخمسينيات حتى وصلنا الى ما نحن عليه، مقعد دراسي لكل طفل ايا كان موقعه، هناك في اعماق البوادي او قريبا من مراكز المدن في الريف او حتى عند التجمعات المتنقلة.
اذن.. لماذا ما يزال هناك رقم لا باس به، تحدد فيه اعداد المتسربين من مدارسهم باتجاه الامية بداية، والتي لن نقدر على محوها ما دامت هناك منابع من التسرب تتحرك باتجاهها، او باتجاه عمالة اطفال بدأ القلق يساورنا من ارتفاع ارقامها، او حتى باتجاه المجهول غير المعروف الذي يتلقف المتسربين من المدارس؟ لا يبحث هذا السؤال عند اجابة عند اولئك الذين يتسربون فهم غير قادرين عليها، كما انه لا يبحث عنها عند اولياء امورهم فالتسرب لا يكون الا بموافقتهم ومعرفتهم وربما احيانا باصرار منهم، لكننا نبحث عنها عند الاوساط التربوية والادارية التي على عاتقها يجب ان تقع مسؤولية تسرب طفل واحد من مدرسة في اقصى انحاء الوطن دون البحث في الاسباب ومعرفتها.
مبدئياً تطرح الظروف المعيشية سبباً لتسرب طلبة من مدارسهم وتوجههم نحو عمالة الاطفال التي تأتي غالبيتها تحت ضغط هذه الظروف، التي تولد من رحم بنى اسرية معطوبة بشكل او بآخر، ثم يأتي بعد هذا العزوف الذي قد تجده احياناً عن الحاق الطفل بالمدرسة ولاسباب غياب الوعي، مثل هؤلاء الاطفال لا نجدهم الا في بيئات الجهل وغياب التعليم عن الوالدين اصلاً، وإن كانت وسائل الاتصال المتاحة الان نقلت معرفة شفوية الى جهات الدنيا كلها، حتى اعمق اعماق ادغالها، ثم يأتي اخيراً بعد هذا وذاك، غياب او تغييب متابعة عملية مستمرة من احوال الطفل في بلدنا وبخاصة حين يبتعد مسكن هذا الطفل عن مراكز المدن التي تحظى بكل شيء..
دستورياً لا يجوز التغيب عن المدرسة الالزامية او الاساسية اياً كانت الاسباب، هذا ما نص عليه الدستور الاردني الذي اكد ان التعليم الاساسي، حتى سن السادسة عشرة الزامي يجب ان ينفذ على الاطفال جميعاً ايا كانت ظروفهم، من هنا فإن عدم انفاذ هذا النص تقصير تقع نتائجه على طرفي المعادلة ، الاول الاطفال الذين يلتحقون بركب الامية، ثم البيئة الاجتماعية التي عليها ان تتلقى افراداً ناقصين اذا لم نقل معدومي الاهلية الاجتماعية، كل ذلك سنداً لمخالفة دستورية تستدعي عقوبات تقع على من قصر في انفاذ نصوص الدستور، ولم يراقب الالتزام في تنفيذها، انها الحاكمية الادارية في المناطق حين يقع التسرب من المدارس، هذه العيبة التي تتناقض بشكل صارخ مع حقائق انجازاتنا..
نزيه
المفضلات