بسم الله الرحمن الرحيم
الخامس : عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من غدا إلى المسجد أو راح ، أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح ) متفق عليه(117).
( النزل ): القوت والرزق وما يهيأ للضيف .
الشرح
هذا الحديث الذي نقله المؤلف ـ رحمه الله ـ عن أبي هريرة رضي اله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم .
أما الأول : فهو أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( من غدا إلى المسجد أو راح ، أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح ) ، غدا : يعني ذهب غدوة ، أي ذهب أول النهار ، وذلك مثل أن يذهب إلى المسجد لصلاة الفجر . ( أو راح ) : الرواح يطلق على بعد الزوال ، مثل الذهاب إلى صلاة الظهر أو العصر ، وقد يطلق الرواح على مجرد الذهاب ، كما في قول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في حديث أبي هريرة : ( من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى .. ) إلى آخر الحديث(119) فإن معنى راح في الساعة الأولى : أي ذهب إلى المسجد في الساعة الأولى ، لكن إذا ذكرت الغدوة مع الرواح ، صارت الغدوة أو النهار ، والرواح آخر النهار .
وظاهر الحديث أن من غدا إلى المسجد أو راح ، سواء غداء للصلاة ، أو لطلب علم ، أو لغير ذلك من مقاصد الخير ، أن الله يكتب له الجنة نزلاً ، والنزل : ما يقدم للضيف من طعام ونحوه على وجه الإكرام ، أي أن الله تعالى يعد لهذا الرجل الذي ذهب إلى المسجد صباحاً أو مساءً ، يعد له في الجنة نزلاً إكراماً له .
ففي هذا الحديث إثبات هذا الجزاء العظيم لمن ذهب إلى المسجد أو النهار أو آخره . وفيه بيان فضل الله ـ عز وجل ـ على العبد ، حيث يعطيه على مثل هذه الأعمال اليسيرة هذا الثواب الجزيل .
السادس : عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة ) متفق عليه(118).
قال الجوهري : الفرسن من الب*** : كالحافر من الدابة ، قال : ربما است*** في الشاة .
الشرح :
الحديث السادس : فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة ) ، يعني أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ في هذا الحديث حث على الهدية للجار ولو شيئاً قليلاً ، قال : ( ولو فرسن شاة ) الفرسن ما يكون في ظلف الشاة ، وهو شيء بسيط زهيد كأن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول : لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو قل .
وقد جاء عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال : ( إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك ) . حتى المرق إذا أعطيته جيرانك هدية ، فإنك تثاب على ذلك . كذلك أيضاً : ( لا تحقرن شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ) فإن هذا من المعروف . إذا لم تلق أخاك بوجه عبوس مكفهر ، بل بوجه منطلق منشرح ، فإن هذا من الخير ومن المعروف ، لأن أخاك إذا واجهته بهذه المواجهة يدخل عليه السرور ويفرح ، وكل شيء يدخل السرور على أخيك المسلم ؛ فإنه خير وأجر ، كل شيء تغيظ به الكافر فإنه خير وأجر . قال الله تعالى : ( وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِح) (التوبة: 120) .
* * *
السابع عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة : فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه(120).
( البضع ) من ثلاثة إلى تسعة بكسر الباء وقد تفتح . ( والشعبة ) : القطعة .
الشرح
هذا الحديث بين فيه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن الإيمان ليس خصلة واحدة ، أو شعبة واحدة ، ولكنه شعب كثيرة ؛ بضع وسبعون ، يعني من ثلاث وسبعين إلى تسع وسبعين ، أو بضع وستون شعبة ، ولكن أفضها كلمة واحدة : وهي لا إله إلا الله ، هذه الكلمة لو وزنت بها السماوات والأرض لرجحت بها ، لأنها كلمة الإخلاص ، وكلمة التوحيد، الكلمة التي سأل الله أن يختم لي ولكم بها ، من كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة . هذه الكلمة هي أفضل شعب الإيمان ، ( وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) ، يعني إزالة الأذى عن الطريق ، وهو كل ما يؤذي المارين ، من حجر ، أو شوك ، أو زجاج ، أو خرق ، أو غير ذلك ، كل ما يؤذي المارين إذا أزلته فإن ذلك من الإيمان .
(والحياء شعبة من الإيمان ) وفي حديث آخر : ( الحياء من الإيمان )(121). والحياء : حالة نفسية تعتري الإنسان عند فعل ما يخجل منه ، وهي صفة حميدة كانت خلق النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فكان من خلقه ـ عليه الصلاة والسلام ـ الحياء ، حتى أنه كان أكثر حياء من العذراء في خدرها ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلا أنه لا يستحي من الحق .
فالحياء صفة محمودة ، لكن الحق لا يستحي منه ، فإن الله يقول : ( وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ) (الأحزاب:53) ، وقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) (البقرة:26) الحق لا يستحي منه ، ولكن ما سوى الحق فإن من الأخلاق الحميدة أن تكون حيياً ، ضد ذلك من لا يستحي ، فلا يبالي بما فعل ، ولا يبالي بما قال . ولهذا جاء في الحديث : ( إن مما أردك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت )(122). والله الموفق .
العلامة محمد بن عثيمين يرحمه الله
(117) أخرجه البخاري ، كتاب الأذان ، باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح ، (662) ومسلم ، كتاب المساجد ، باب المشي إلى الصلاة ، رقم (669) .
(118) أخرجه البخاري ، كتاب الهبة ، باب لا تحقرن جارة لجارتها ، رقم (6017) ومسلم كتاب الزكاة ، باب الحث على الصدقة ، ولو بالقليل رقم (1030) .
(119) أخرجه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب فضل الجمعة ، رقم (881) مسلم ن كتاب الجمعة ، باب الطيب والسواك يوم الجمعة ، رقم (850) .
(120) أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب أمور الإيمان رقم (9) ، ومسلم كتاب الإيمان ، باب شعب الإيمان رقم (35) .
(121) أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان باب الحياء من الإيمان ، رقم (24) ، ومسلم كتاب الإيمان ، باب شعب الإيمان رقم (36) .
(122) أخرجه لبخاري ، كتاب الأدب باب إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ، رقم (6120) .
المفضلات