قالت صحيفة لوس أنجلوس تايمز إن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي يحكم بلاده على مدى أربعة عقود بأدوات متوفرة لدى آخرين من قادة العرب.
وأضافت الصحيفة الأميركية أن الأنظمة في البحرين والسعودية واليمن وسوريا تسير في ركب القذافي في ما يتعلق بقمع الانتفاضات.
ففي يوم الجمعة سقط مئات المعتصمين السلميين في اليمن بين قتلى ومصابين على أيدي عملاء الحكومة، وأقدمت القوات الأمنية السورية على قتل عدد من المحتجين، ولجأت البحرين إلى إزالة النصب في دوار اللؤلؤة حيث تم اجتثاث الاعتصام.
وكما استقى النشطاء في البحرين الدروس من المحتجين في ميدان التحرير بالقاهرة، وكما تبنى محتجو مصر شعارات الثوار في تونس، يبدو أن الحكام العرب "المستبدين" يستخلصون العبر من هفوات ونجاحات بعضهم البعض.
فالاستخدام الناجح –حتى الآن- للقوة في ليبيا بما في ذلك نشر سلاح المدفعية واستخدام الطائرات الحربية ضد المناطق التي يسيطر عليها الثوار يمثل درسا تقشعر له الأبدان، حسب تعبير الصحيفة.
إحدى الباحثات الليبيات في طرابلس تقول "إنها (قيادة القذافي) على استعداد لقتلنا، حتى لو كان ذلك بكلماتها".
من جانبه يقر المتحدث باسم المعارضة الليبية عصام غرياني بنجاعة أسلوب الترهيب إلى حد ما قائلا "عندما تستخدم القوة المفرطة فإنك تزرع اليأس والعجز في الناس".
وتقول لوس أنجلوس تايمز إن الحركات الشعبية التي تواجه الأنظمة المستبدة في الشرق الأوسط لا تقاتل أنظمة متماثلة، وعليها أن تستحث مجتمعات متباينة.
فليبيا واليمن على سبيل المثال ما زالتا مرتبطتين بالجذور القبلية، في حين أن مصر وتونس مجتمعات حضرية حديثة، أما في الأردن والمغرب فالدوائر الانتخابية الكبيرة تبدو داعمة للملكية رغم أنها تعترض على الحكومات التي يشرف عليها هؤلاء الحكام.
وبينما تبدو الجزائر أقرب إلى الدكتاتورية العسكرية، فإن العائلات الحاكمة في سوريا ودول شبه الجزيرة العربية تقود الدفة.
وليبيا –على غرار إيران- ترتدي الجوانب الاستبدادية ضمن عباءة الشعوبية التي تميل إلى اليسار والهبات التي يمولها النفط.
وتقول الخبيرة في الشؤون الليبية بمجلس العلاقات الخارجية، رئيسة الجامعة الأميركية بالقاهرة ليسا أندرسون، إن "الليبيين يواجهون نظاما لا يولي اهتماما للاعتقال بقدر المصريين والتونسيين، فالقذافي لا يتورع عن قتل الناس".
الحكومة البحرينية تزيل دوار اللؤلؤة الذي كان رمزا للمحتجين (الفرنسية)
أدوات البقاء
غير أن الحكام المستبدين –والكلام للصحيفة- في العالم العربي توصلوا إلى أن استخدام العنف ورفض التسوية السياسية والاستمرار في إحكام السيطرة هي خير سبل النجاة، عوضا عن الموافقة على إجراء الإصلاح السياسي الجوهري المدعوم من قبل إدارة باراك أوباما.
فاليمن والبحرين والسعودية –وهي حلفاء مقربة من واشنطن- تجاهلت هذا الأسبوع توسلات الولايات المتحدة لإجراء الإصلاح، وتعاملت مع مطالب المتظاهرين بالهري والرصاص.
وتشير لوس أنجلوس تايمز إلى أن إزالة السلطات البحرينية دوار اللؤلؤة -الذي كان رمزا للمحتجين- مؤشر على الحكم المستبد الذي قد يصفق له القذافي.
وتقول إن العنف في شبه الجزيرة العربية والأزمة في ليبيا تظهر لأولئك الذين يشعرون بالقلق من الجمود السياسي في المنطقة أن عليهم أن يفعلوا ما هو أكثر من الوقوف جانبا في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات للتغيير السياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كما أن قدرة القذافي على البقاء في السلطة –وفقا الصحيفة- ربما تقدم دروسا أخرى للحكام العرب المستبدين الذين يتطلعون لإحكام قبضتهم على السلطة، وكذلك لمن يسعى للتغيير في الشرق الأوسط.
فخلافا لتونس ومصر فإن ليبيا تنعم بالنفط، والقذافي –شأنه في ذلك شأن قادة إيران والسعودية- استخدم الثروة النفطية لاستمالة الدوائر الانتخابية وقمع السخط.
ويتفق الكثيرون على أن براعة القذافي في التلاعب بزعماء القبائل عبر الرشى والتهديد والدعوات إلى الوحدة الوطنية أكسبته الوقت وساهمت في تحييد بعض أعدائه المحتملين، وهي إستراتيجيات استخدمها الحكام بنجاح في كل من اليمن والأردن.
جرحى بساحة التغيير باليمن
اختلافات
لكن الصحيفة ترى أن ثمة اختلافات جوهرية بين ليبيا والدكتاتوريات العربية الأخرى تجعل من الصعوبة بمكان تبني إستراتيجية القذافي.
فالقذافي ونوابه قضوا أربعين عاما في طمس معالم الطبقة الوسطى، وعمد القذافي إلى تأسيس سياسات اشتراكية تتضمن مصادرة الملكية الثانية، وطرد عدد كبير من السكان الإيطاليين، غير أن الدول الأخرى قضت العقود الأخيرة في محاولة بناء الطبقات الوسطى.
وخلافا لتونس والقاهرة والمنامة ودمشق، عاشت طرابلس فترة طويلة معزولة عن باقي أرجاء العالم.
وفي حين أن التاريخ القوي للسياسات المعارضة في البحرين واليمن، ووجود النقابات القوية في تونس، والمجتمع المدني القوي في مصر، كل ذلك ساهم في نزول العديد من اللاعبين إلى شوارع تلك الدول.
أما ليبيا القذافي، شأنها في ذلك شأن السعودية، فهي لا تسمح بالأحزاب السياسية وتعتبر الانتخابات مناهضة للديمقراطية.
والاختلاف الأخير أن معظم الدول العربية لديها قوات مسلحة محترفة تتمتع بدرجة معينة من الاستقلال السياسي والأيدولوجي، ولكن السيطرة القمعية للقذافي على جميع مناحي الحياة الليبية بما فيها العسكرية قد تمثل تحذيرا للحكام العرب.
المصدر: لوس أنجلوس تايمز
المفضلات