يتبادر إلى أذهان معظم الناس أن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يضحك لكن دراسات العلماء في مجال سلوك وعلم نفس الحيوان أثبتت أن كثير من الحيوانات يضحك ولا فرق بينها وبين الإنسان. وكان العالم الإنجليزي تشارلس داروين صاحب نظرية النشوء والارتقاء أول من لاحظ أن الحيوانات تضحك فمن قوله: لوجمشنا قرداً من نوع الشمبنزي تحت أبطه حيث يشتد الاحساس بالتجميش كما هي الحال عند الأطفال سمعنا ضحكاً عالياً منه: فزاويتا الفم تتقهرنان وتلتمع العينان. وعالج عالم سلوك الحيوان (بولتون) هذا الموضوع وبحث في أصل الضحك وغايته فوقف على جملة حقائق تكشف لنا عن نفوسنا، فهو يقول مثلاً أن الضحك يعم الانسان والحيوان وهو حركة ختامية لجهاد وظفر من نوع ما، فهو عاطفة غير مهذبة كلما تقدمت الثقافة وزادت المعرفة استحال ابتسامة خفيفة.
فالكلب الذي يخرج مع صاحبه في نزهة ينفتح فمه في ضحكة تدل على فرحه، وعندما يخرج الجواد إلى الحقل وينطلق فيه عقب القيد يخطو خطوات واسعة في مرح وذنبه ورأسه يرتفعان وفمه ينفتح في ضحك السرور والانطلاق.
أما العالم وليم جيمس وهو عالم نفس حيواني فيعد الضحك علامة العطف والتفاهم لذلك قال أن البقر لا تضحك، وليس ذلك غريباً فيها إذا عرفنا أن قطيع الماشية من الثيران يتجنب الثور المجروح بل ينطحه ولا يعطف عليه ولكن الكلاب والقردة تعطف على أخوانها لذلك تضحك سروراً إذا انبسطت نفوسها لعمل ظفرت فيه.
وأكثر الحيوانات ضحكاً أو بالأحرى أعلاها صوتاً في الضحك هو الضبع، وضحكته تتناسب في علوها مع ظفره فهو لشرهه إلى اللحم إذا رأى حيواناً ينضح بالدم لا يتمالك نفسه من السرور. ويتجلى هذا السرور في ضحكة عالية خاصة به.
ولا زال العديد من علماء السلوك الحيواني يختلفون في وجهات نظرهم حول موضوع الضحك فقسم منهم يرده إلى التطور وإلى أصل آخر هو الرغبة عند القتال أو الصراع في إخافة العدو والتكشير له عن الأنياب وما يصحب الضحك من السرور إنما هو اللذة بالظفر أو توقعه - لذلك فإننا لا نزال إذا ضحكنا نبدي أسناننا بفتح الفم ولا يزال عندنا في ضحكة التهكم تلك الضحكة الصفراء ما يذكرنا بالغاية الأصلية من الضحك وهي الانتصار على العدو والشعور بلذة ذلك - وما زلنا نرى أننا عندما نشرع في الشجار نهدد ونبتسم ابتسامة كريهة. فإذا حدث ما يخيفنا ونجونا منه ضحكنا وكان ضحكنا في العلو والقوة متناسباً مع مقدار الشعور بالنجاة والظفر بها.
ولا يزال المنتصر في مباراة المصارعة أو الملاكمة أو السباق يبتسم عندما ينتصر على خصمه ونحن ننسب الضحك العالي إلى خشونة الطبع والواقع أن الرجل المهذب الذي اقتضى تهذيبه أن ينظر إلى جملة اعتبارات في المسائل المطروحة أمامه لا يضحك إلا قليلاً ويقنع بالابتسامة في المواقف التي يضحك فيها غيره لأنه لا يشعر بالظفر التام إذ هو لا ينظر إلى ناحية واحدة من نواحي الموضوع بل تبعثه ثقافته وتربيته وعلمه إلى اعتبار جملة نواح.
الضحك يشبه التنهد والتشنج والتثاؤب من حيث أنه يعيق التنفس بعض الإعاقة في الوضع الطبيعي فالضحكة هي جملة أصوات قصيرة متتابعة تخرج متفجرة فهي تزيد كمية الأوكسجين الداخل للرئتين وتزيد سرعة دقات القلب ومعنى ذلك زيادة سريان الدم في العروق وزيادة النشاط في الجسم وكل هذا يفيد الحيوان عقب اقتناص الفريسة مثلاً فإنه يشيع السرور في جسمه ويحمسه لتناول طعامه.
ويبدو أن تفسير الضحك بوصفه أنه الشعور بالظفر أدق من تفسير بعض العلماء حين وصفوه بأنه دليل العطف. فكثير من الحيوانات الانفرادية كالضبع والأسد تضحك مع أنها لانفرادها في معيشتها قليلة العطف بل معدومته إلا ما يحدث قليلاً في حياتها من عطفها على إناثها وقت التعارف الجنسي ولكن هناك حيوانات اجتماعية كثيرة مثل الخراف والثيران لا يبدو منها ضحك البتة أو ما يبدو منها قليل جداً.
رد مع اقتباس
المفضلات