روى ابن قدامة المقدسي رحمه الله في كتاب التوابين بسند يصل إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما قال:
بينا أنا أطوف مع أبي حول البيت في ليلة ظلماء وقد رقدت العيون وهدأت الأصوات إذ سمع أبي هاتفا يهتف بصوت حزين شجي وهو يقول:
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم ... يا كاشف الضر والبلوى مع السقمِ
قد نام وفدك حول البيت و نتبهوا ... وأنت عينك يا قيوم لم تنمِ
هب لي بجودك فضل العفو عن جرمي ... يا من إليه أشار الخلق في الحرم
إن كان عفوك لا يدركه ذو سرف ... فمن يجود على العاصين بالكرم
قال: فقال أبي: يا بني أما تسمع صوت النادب لذنبه المستقيل لربه الحقه فلعل أن تأتيني به فخرجت أسعى حول البيت أطلبه فلم أجده حتى انتهيت إلى المقام وإذا هو قائم يصلي فقلت أجب ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأوجز في صلاته واتبعني فأتيت أبي فقلت هذا الرجل يا أبت فقال له أبي ممن الرجل قال من العرب قال وما اسمك قال منازل بن لاحق قال: وما شأنك وما قصتك؟ قال: وما قصة من أسلمته ذنوبه وأوبقته عيوبه فهو مرتطم في بحر الخطايا؟! فقال له أبي:علي ذلك فاشرح لي خبرك. قال: كنت شابا على اللهو والطرب لا أفيق عنه وكان لي والد يعظني كثيرا ويقول: يا بني احذر هفوات الشباب وعثراته فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد. وكان إذا ألح علي بالموعظة ألححت عليه بالضرب فلما كان يوم من الأيام ألح علي بالموعظة فأوجعته ضربا فحلف بالله مجتهدا ليأتين بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو علي. فخرج حتى انتهى إلى البيت فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول:
يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا ... عرض المهامه من قرب ومن بعد
إني أتيتك يا من لا يخيب من ... يدعوه مبتهلا بالواحد الصمد
هذا منازل لا يرتد عن عققي ... فخذ بحقي يا رحمان من ولدي
وشل منه بحول منك جانبه ... يا من تقدس لم يولد ولم يلد
قال: فوالله ما استتم كلامه حتى نزل بي ما ترى ثم كشف عن شقه الأيمن فإذا هو يابس قال: فأبت ورجعت ولم أزل أترضاه وأخضع له وأسأله العفو عني إلى أن أجابني أن يدعو لي في المكان الذي دعا علي قال: فحملته على ناقة عشراء وخرجت أقفو أثره حتى إذا صرنا بوادي الأراك طار طائر من شجرة فنفرت الناقة فرمت به بين أحجار فرضخت رأسه فمات فدفنته هناك وأقبلت آيسا وأعظم ما بي ما ألقاه من التعيير أني لا أعرف إلا بالمأخوذ بعقوق والديه فقال له أبي: أبشر فقد أتاك الغوث فصلى ركعتين ثم أمره فكشف عن شقه بيده ودعا له مرات يرددهن فعاد صحيحا كما كان وقال له أبي لولا أنه قد كان سبقت إليك من أبيك في الدعاء لك بحيث دعا عليك لما دعوت لك قال الحسن: وكان أبي يقول: لنا احذروا دعاء الوالدين فإن في دعائهما النماء والانجبار والاستئصال والبوار. أ.هـ
نسأل الله أن يرزقنا بر والدينا وأن يجيرنا من العقوق إنه سميع مجيب.
المفضلات