لا تتعصب..!
الحق هو ضالة المؤمن، ينشده حتى ولو كان على نفسه، فذلك العقل بعينه والتحرر من تبعية الهوى.
والمتعصب هو ذلك الإنسان الذي غطى هواه على عقله، فهو لا يرى غير رأيه، بل ويستغرب أحياناً، وأحياناً يسفه آراء غيره. كما تراه يكثر من مقاطعة محاوره، وقلما اعترف بخطأ، بل يكثر الردود ويسعى لحماية نفسه وما يخصه، ويدافع عن رأي مسبق يعتقد به حول الموضوع محط الحوار دون تفكير ونظر فيما يسمعه من أفكار وآراء الآخرين. كما تراه يقطع ويجزم في كل شيء يتحدث به، وقلما قال: أحياناً أو في بعض الأحوال، بل يستبدل ذلك بقوله: دائماً.
قال الشاعر:
دع الجدال ولا تحفل به أبداً ** فإنه سبب للبغض ما وُجِدَا
والمتعصب يدور مع فكرته حيث دارت، وقد يضطر للتفكير بطرق متناقضة في ذات الحوار دعماً لفكرته العقيمة. ومن هذا المنطلق السقيم نشأت الحزبيات في العمل الإسلامي وتعددت المناهج؛ مما كان له بالغ الأثر في اضطراب الصفوف وتأخر الوحدة.
قال الشيخ "عبدالرحمن السعدي" ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (المطففين:2ـ 3): "دلت الآية الكريمة على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له، يجب أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات، بل يدخل في عموم هذا: الحجج والمقالات، فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ما له من الحجج، فيجب عليه أيضاً أن يبين ما لخصمه من الحجة التي لا يعلمها، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو. وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه".
وفي المقابل فليس الخنوع محموداً، فإن قام شخص وتكلم في أمر لك به صلة فلا تسكت ـ بعيداً عن التعصب ـ بل حاوره مسلماً بما عرضه من حقائق، معترفاً بما انتقده من أخطاء، ثم انقله بهدوء إلى ما خفي عنه في ذلك الموضوع.. فهذا الضرب من الحوار يجعلك مثال الموضوعية والأمانة ومحط احترام الآخرين وتقديرهم.
ومن أقبح التعصب أن يكون هم المحاور إسقاط صاحبه، وتتبع هفواته، والتحايل عليه؛ رغبة في تحقيره، فمن كان ذلك شأنه فليهنأ ببغض الناس له!!
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً" ولا يعد الثبات على الحق والالتزام بالصواب المتعارف عليه لوناً من التعصب، فهناك من الأمور ما يجب الثبات عليه ولو اقتضى الأمر حدوث ما يبدو أنه إساءة للطرف الآخر،
فعن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخة من التوراة فقال: يا رسول الله هذه نسخة من التوراة. فسكت فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغير. فقال أبو بكر: ثكلتك الثواكل، ما ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعوذ بالله من الله وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان حياً وأدرك نبوتي لاتبعني"
ومن التعصب ما نجده عند بعض كبار السن عند حوارهم مع الشباب؛ فهم متعصبون لآرائهم ولا يقبلون رؤية الشباب؛ لأنها ـ حسبما يقولون ـ ينقصها النضج دون أن يبذلوا أدنى جهد في تقييم ذات الفكرة.
ومن التعصب أيضاً إصرار بعضهم على كسب الحوار بنسبة مئة في المئة؛ مما يثير التعصب عند الطرف الآخر
د. طارق الحبيب
المفضلات