*** احتساب تكاليف البيع يحد من غلاء الأسعار الفاحش .... !!! ***
هذه الموجة من غلاء الأسعار في أسواقنا ليست مسبوقة من قبل، حيث يتسابق موردو الخدمات والسلع على رفع الأسعار بنسب غير معقولة، في الوقت ذاته تتنصل بعض الحلقات التسويقية من المسؤوليات عن هذه الموجة من الغلاء، فالمزارع يحمل المسؤولية للوسيط والوسيط يحملها لتاجر التجزئة، كذلك الحال بالنسبة للسلع الصناعية سواء المستوردة منها أو المنتجة محليا، أما الضحية فهو المستهلك أي المواطن.
ندرك أن المشتقات النفطية قد ارتفعت أسعارها، وندرك أن سعر الدولار قد انخفض قياسا بالعملات الرئيسية الأخرى، لكن هل ارتفاع الأسعار يتناسب مع تلك الزيادات أم تجاوزها بكثير؟.
ارتفاع الأسعار لدينا يعود لأسباب كثيرة، منها أن آلية السوق المعمول بها لا تستند على اسس وافية الشروط، فمع أن التنافسية هي من أهم أدواتها، فهذه التنافسية غائبة كليا في كثير من الحالات، حين نعلم أن الوكيل التجاري (التاجر المستورد) الذي يمتلك حق الاستيراد الحصري لسلع معينة دون غيره من التجار، إنما يشكل حالة نموذجية من الاحتكار المطلق، ترفضها حتى الدول العريقة والرائدة بتطبيق آلية السوق، بينما تقرها تشريعاتنا الاقتصادية المعمول بها حاليا، حينما توفر ملاذا آمنا للمحتكرين ممن يفرضون الأسعار التي يشاؤون وكيفما يريدون، تحت مظلة حرية السوق، والأسوأ من ذلك أن الكثير من الوكلاء التجاريين يحسنون التشدق بمفهوم آلية السوق الحر بينما هم على ارض الواقع أول من ينتهكون مضامين هذا المبدأ والمفهوم.
العامل الآخر أن نظام مراقبة الأسواق المعمول به حاليا في الأردن ومنذ عقدين من الزمن تقريبا لم يطرأ عليه أي تطوير، فقد بقي أسير الجمود وعدم التحديث، فالعنصر الرئيسي في آلية مراقبة الأسواق يعتمد بالدرجة الأساسية على مجرد إلزام التاجر بوضع تسعيرة على المنتجات المعروضة على رفوف محلاته، بغض النظر عما إذا كانت الأسعار المعلن عنها في حدود المعقول أم أسعار فاحشة ومبالغ فيها، صحيح أن اقتصادنا يعمل وفقا لآلية السوق الحر، الذي يعتمد على مبدأ العرض والطلب، لكن الأسلوب الاعتباطي والفوضوي بوضع الأسعار من قبل التجار ومزودي الخدمات المختلفة إنما يخالف آلية عمل السوق الحر، كما يخالف حق المواطنين بألا يتعرضون للجشع والاستغلال.
إن حالة انفلات الأسعار من عقالها وانطلاقها نحو اللا معقول تجعل من الضروري أن يكون لدى أجهزة الرقابة الرسمية على الأسواق القدرة الفنية على احتساب تكاليف بيع المنتجات والسلع والخدمات الأساسية ذات التماس المباشر مع حياة المواطنين، كالخضار والفواكه والحبوب واللحوم والحليب والألبان والزيوت والأدوية وبعض المواد الغذائية الرئيسية الأخرى وكذلك الخدمات الصحية المختلفة.
إن الحكم على منطقية أسعار أي منتج سلعي أو خدمي يباع للمستهلكين ليس بالعملية الصعبة أو العسيرة، بل هي عملية في غاية السهولة إذا ما قررنا أن نعالج أمر ارتفاع الأسعار على نحو جاد، فهناك أعداد ضخمة من الموظفين من التخصصات العلمية والمهنية كافة، فلا تحتاج لتوظيف إضافي، فما عليها إلا أن تعيد تكييف بعضٍ من أجهزتها الوظيفية التي تعاني من البطالة المقنعة، لتتلاءم مع هذه المهام، بحيث يكون بالمقدور أن تقرر في أي وقت تشاء ما إذا كانت الأسعار المفروضة على المواطنين من قبل التجار ووكلاء الاستيراد الحصريين ومقدمي الخدمات هي معقولة وغير مبالغ فيها، وبدون هذه الآلية لا يمكن أن تحد من ارتفاع الأسعار وتحمي المواطنين من تلاعب مقدمي الخدمات والمستوردين والمنتجين والتجار من مختلف الحلقات التسويقية.
القيام بعملية احتساب تكاليف بيع السلع والخدمات لدى الحلقات التسويقية المختلفة لا يتناقض مع مبدأ آلية السوق المعمول بها، كما لا تؤثر على عمل القطاع الخاص، فهذه العملية تحدد المسؤوليات ومواطن الخلل في العملية التسويقية، وبالتالي تساهم بترشيد وعقلنة أسعار المنتجات والخدمات المختلفة بعيدا عن الاستغلال والجشع.
المصدر
جريدة الراي الأردنية
بسام الكساسبة
المفضلات