بسم الله الرحمن الرحيم
الإنماء الوطني بقلم د. محمود سليم هياجنه
إذا كان هناك يدٌ في الفراغ تشير إلى بلاغة المعنى في الجملة المعترضة, فإن لي يداً يعصمني – الانتماء لهذا الركن الركين – أن أقدمها في اتجاه خاطئ, وعقلاً لا يعوزه اليقين حتى يدرك أن البناء لا يقوم إلا على تفكيك العدم واستئصال الشأفة الفاسدة قبل أن تشج عروقها فتضرب في أكباد الوطن وأحراره وهم حماة الديار وذادة الحمى وبيضة الوطن الحبيب.
إن حيازة القدرة على التغيير هي الضمانة الأكيدة للمصادقة على قانون تصحيح المسارات وإن تخرص بعضهم بالسخائم ونغلت قلوبهم بالعداوة؛ فقد وسعتهم مخازيهم بطابع العار والهوان وكفتنا البحث والبيان. لقد أصبح حريٌ بنا بصفتنا أردنيين أحرار التوافق على لائحة أهداف معلنة نلغي بوساطتها الشعار الذي لا ينهض على قاعدة تصويب لمفاهيم التنمية أو يبرر وضعية الاستقطاب لحالة الديمقراطية ضمن منظور إصلاحي يخدم برامج التحديث ويلغي صيغة التجزيء لإرادة الوطن.
ربما يتصوف الإنسان بحثاً في هذا العالم عن الفكرة الكاملة والحقيقة الناصعة ولولا تلك العظات الرائعة والزواجر الصادعة لاستبهمت معالم القصد وتنكرت وجوه الحق واختلط المرعى بالهمل والخائر بالزبد. ولذا ربما نسقط ضحايا للنفاق عندما نجوع إلى الحقيقة فنراكم على أخطائنا تاريخاً من العثرات لكننا بالتأكيد لن نصفق لمستقبل يكون الموت فيه أسلم من التوقيع على معاهدة التهميش والإلغاء ولن نذعن لتصفية نضالنا وتنمية مجتمعنا من أجل إعادة الاعتبار لأصنام تبعدنا عن الله ألف ديانة وأكثر.
لقد كان إنتاج الربح بثقافة العدم الوسيلة المعتمدة لتسويق العزلة ضمن واقع لا يعترف إلا بتعدد الخيارات وليس لنا الإقرار بدعم مشاريع الاستهداف لإرادتنا إلا إذا استسهلنا إزاحة الحق عن نصابه. وبررنا ديمقراطية الاختيار بترقية الفوضى وخيبة الاستثمار في المواقف الباطلة وها نحن الآن أمام خيارين لا ثالث لهما، أولهما : أن نتبنى صيغة التجذير الأساسية لمشكلة الإفادة من الوضع الديمقراطي في شرعنة التخلف وتغييب مشاريع الإنماء الوطني ومن ثمة الدخول ضمن منظور تدمير الذات والإيعاز بتكريس ثقافة العزلة عن المحيط المحلي. وثانيهما: أن نستوفي شرط العمل بالقوانين المدنية التي رعاها صاحب الجلالة الملك المفدى عبد الله الثاني المعظم أيده الله وهي المرجعية الدستورية وما أقرته من إصلاح في التنمية سواء كان ذلك على المستوى السياسي أو المستوى الاقتصادي والتعليمي والصحي والاجتماعي بعامة . وهو ما يضمن إنجاز الفرصة للإطاحة بالتصورات الفئوية عن العدالة التي أقصت الكثير من ذوي الكفاءة عن مواقع اتخاذ القرار وتصويب الأخطاء.
لا جرم أن للأيام رجعة وإن تراخت الأحقاب وتمادى الزمن وإنك لتجد الرجل الحازم يقرأ التاريخ فينظر في أعطافه ويبحث في مشتبهاته حتى يتعرف مخبره ويسبر غوره ظهراً لبطن فمن اعتبر بغيره واتعظ بسواه فقد أمن المهلكة والمعاطب واتقى المحن والنوائب وإلا فقد تعرض للوبال وباء بالنكال وأصبح مثلاً من الأمثال ، ولذلك كانت تلاوة الأقاصيص الباطلة والروايات الملفقة ممنوعة عند الأمم الأبية محظورة على بنيها وبناتها لئلا تسري إليهم لوثة الفساد وعدوى الضلال وأما تلك الكتب التي تحمل في طياتها وصفحاتها حوادث الكرم وأنباء الشمم فلم تسل عن التهافت عليها والتنافس فيها. والمرء يعرف بقرينه ويحشر مع من أحب. وبما أن هؤلاء ابتدعوا لأنفسهم ذلك الخيار بترقية الفوضى وخيبة الاستثمار في المواقف الباطلة فبذلوا كل وسيلة واتخذوا كل ذريعة لتسويق إزاحة الحق عن نصابه؛ فلا جرم أن يشهدوا زؤام العقوبة والمساءلة، ومن هنا فإن بلوغ مرحلة الانتقال من التوسل بفكرة التمركز خلف الذات إلى سامقة التواصل مع المحيط الثقافي والاجتماعي والسياسي هو التجذير المبتكر لمفهوم المواطنة الشاملة بعيداً عن الاستحواذ الفردي على قرارات المجتمع أما قاعدة الاستنهاض لمتطلبات التكيُّف مع المرحلة وفق برنامج تأهيلي كامل ؛ فيجب أن تتجاوز مسألة التقيّد بإكراهات التمكين العشوائي لنظريات الفقه السياسي والاقتصادي التي يمارسها البعض إلى استيفاء شروط العمل لإقامة ورشة إصلاح تشمل كافة المجالات وتمثل خريطة تشريع لكل مشاريع الدولة.
ينضاف إلى ذلك كله أن المرحلة الحاسمة التي تجتازها أمتنا تُحتم علينا أن نبني جبهة داخلية متماسكة، لحمتها الوحدة الوطنية وسداها الثقة بين كل الأخوة المواطنين ننفي من صفوفنا الفرقة وننبذ الشائعات ونتسامى على الآلام والأحقاد ، سلاحنا في ذلك العقيدة السمحة والقيم الأصيلة والحق الكريم والعمل المنتج البناء والجهد الموفور في الحشد والإعداد وإن أجهزتنا الأمنية هي سياج الوطن ودرعه المنيع ورمز الوحدة الوطنية الرائعة وأنموذج الأخوة الخالصة لذا وجب أن نمدها بكل أسباب القوة والمنعة. إن الوحدة الوطنية هي أساس ثبات الوطن وقوته ومنعته ولذا لا يمكن لها أن تتحقق إلا إذا تحولت إلى انتماء حقيقي للوطن.
ومسك الختام: من قصد البحر استقلّ السواقيا، فكم نحن بحاجة ملحة إلى تفهم تطلعات صاحب الجلالة الملك المفدى عبد الله الثاني المعظم لتطبيق وتفعيل تلك التي ينطق بها التكليف السامي في كل مرة والتي تُعدُّ – بحق – برامج متكاملة لعمل الحكومات وضمانات أكيدة لعيش المواطن حياة كريمة إذ هي أبهى رواءً وأكثر نفعاً وأدنى قِطافاً، وإذا وقع التأثير انتفت الحاجة إلى التفسير. والله ولي التوفيق
د. محمود سليم هياجنه
المفضلات