غير مشتاق الى شارون
ايتان هابر* - في سنة 1974، بعد وقت غير طويل من حرب يوم الغفران، دعيت الى بيت اريك شارون. لم يكن ذلك أمرا غير ذي طائل: فقد كانت علاقاتنا لسنين طويلة مرة وصعبة. لكن بازاء ''الكارثة المقتربة''، كما قال وافق على ''انزال لص (مثلي) عن حبل المشنقة''.
بسط شارون على البساط الكبير خريطة طوبغرافية كبيرة، وبيّن لي لدقائق طويلة ابعاد الكارثة المتوقعة في التسوية المرحلية مع سورية، التي وقعها في ذلك الوقت هنري كيسنجر واسحق رابين. بعقب تلك التسوية، انسحب الجيش الاسرائيلي الذي كان آنذاك على مبعدة 40 كم من دمشق الى الخط الذي كان قبل الحرب واعاد الى السوريين - يا للفظاعة - القنيطرة التي احتلت في الايام الستة.
كان الوقت ساعة متأخرة من المساء وفجأة رن الهاتف. كنال آنذاك في اوج تناول ''مرق الفلاحين''. نقول في هذا المقام انه لا يوجد منافس في البلاد لاريك شارون في كل ما يتصل بالدفء والضيافة. ينسكب عليك سحره كانسكاب المرق الحار في الحنجرة. كان على الخط شخص ما من الجماعة التي تحصنت في ذلك اليوم في الملجأ في القنيطرة لمنع جنود الجيش الاسرائيلي اخلاء للبلدة السورية. لقد طلبوا الى شارون أن يأتي من الغد ليكون معهم.
سمعت باذني كلام شارون في الهاتف. كانت تلك اقوالا تستطيع ان تبث روح القتال ايضا في خيول ميتة. لم يكن نابليون، ولا آيزنهاور ولا موسى دايان ليصوغ الكلام بصورة انجح. فُهم من كلام شارون الى المجهولين في الجولان الذين سموا أنفسهم ''كيشت'' (القنيطرة لنا الى الابد)، ان عليهم أن يقاوموا بالقوة، وان يضربوا جنود الجيش الاسرائيلي أيضا. ابيح لنفسي ان اقول: ان يسببوا سفك الدماء بشرط أن يقفوا ''الكارثة المقتربة''، واقول اذا لم اشأ المبالغة انني فوجئت.
وآنذاك، وكنا ما نزال نغوص في ''مرق الفلاحين''، قال شارون شيئا ما منددا باولئك الشبان من الجولان، ولقبهم بالقاب نبز وقال لي ماذا كان سيفعل وكيف كان يجليهم من الفور عن ذلك الملجأ، باضافة سباب وشتائم لمن يأخذ القانون بيديه.
قادنا التناقض بين الاقوال في ذلك المساء وبين اقواله وافعاله قبل ذلك المساء، الى حديث جذاب (كان شارون منذ كان رجل محادثة شديد الاثارة) عن التهكم في السياسة، وخاصة عما يجوز وما لا يجوز للسياسي قوله وفعله في الطريق الى تقدمه الشخصي حتى رياسة الحكومة، التي كانت حلم شارون سنين طوال.
لولا ان كان للكرسي متكأ لكدت بيقين اسقط عنه في ذلك المساء. شارون الذي قالوا عنه دائما انه لا يكفه شيء في اي مجال، قال لي بصدق انه لا توجد له اي قيود وحواجز. عرضت عليه عددا من الامثلة الانفعالية الشديدة جدا، وبيّن لي بصراحة انه لا توجد له مشكلات. كان استنتاجي الشخصي لذلك المساء، وربما كان مبالغا، ان شارون سيستعمل مشروع الاستيطان على أنه سلمه الشخصي في طريقه الى رئاسة الحكومة - وان الجميع سيُقبّلونه.
مع ذلك لا اقصد الى ان اقول انه لم يؤمن حقا وصدقا بمشروع الاستيطان.
بعد مضي يوم وربما يومين، وكنت ما زال مهتاجا من ذلك اللقاء، التقيت زميلي يسرائيل هرئيل الذي كان آنذاك رئيس أمانة (غوش ايمونيم)، الذين كانوا ما يزالوا في بدء طريقهم لاحتلال الارض الجيدة في المستوطنات.
كان اريك شارون قد أصبح آنذاك معبودهم ونائبا عن الله جل جلاه. حدثته عن المحادثة المدهشة مع شارون وقلت له: ''سيأتي يوم ويرمي بكم من المستوطنات جميعهم. بل لا ينظر الى الوراء ليمد اليكم يده''.
وقلت له بلهجة استهزائية: ''ابدأوا التدرب على الاخلاء في مواجهة الجيش الاسرائيلي''. كان ذلك قبل 34 سنة (يقول في هذا المقام انهم لم يطلقوا في الجولان طلقة واحدة منذ ذلك الحين).
الاعلام مليء في الايام الاخيرة بعبارات الاشتياق الى شارون مع انقضاء سنتين على غفوته. في الحقيقة أن خالق الكون لم يتفضل عليه تفضلا كبيرا في طريقة وصورة اخذه اليه. ينقبض القلب. لا يستحق ذلك، ولا نستحق نحن ان يودعنا على هذا النحو. لكن اشتياق؟ افكر فيه كثيرا. واتذكر كثيرا جدا. لكنني لست اشتاق.
المفضلات