تابـــــــــــــــــــــــــع الوعد القرآني في سورة إبراهيم
قوة الإسلام والشجرة الطيبة:
الحالة الثانية: الحالة العامة للإسلام والكفر.
للإسلام رسوخ مكين في الأرض، وثبات قوي في الحياة، وأثر إيجابي في الناس، وامتداد متشعب في التاريخ.. أما الكفر فإنه دخيل شاذ غريب على الوجود، وهو ضعيف هزيل في الحياة!.
ومثل الإسلام في رسوخه وتمكّنه وأثره واستمراره، كمثل الشجرة الطيبة القوية الراسخة المثمرة، ومثل الكفر في ضعفه وزواله، كمثل الشجرة الخبيثة الضعيفة، كذلك يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون.
الإسلام أصيل راسخ في حياة البشرية، أرساه الله في الأرض، ومكنه منها، وأصبح شجرة ضخمة معمّرة، تعاهدها الرسل، ورعاها أتباعهم، وضربت جذورها في أعماق التاريخ، وكلما مضى من عمر البشرية قرن، كلما ازدادت جذور الإسلام متانة وقوة، وتغلغلاً في الحياة البشرية.
وفروع شجرة الإسلام وأغصانها منتشرة في مختلف بقاع الأرض، وظلالها وارفة في كل مكان، يفيء إليها الناس، هاربين من شمس الجاهلية، ولهب الكفر الحارق، فيجدون عندها الرحمة والراحة، والألفة والطمأنينة!.
وشجرة الإسلام الخضراء النامية المعمرة مثمرة، تقدم ثمرها للبشرية، وتؤتي أكلها للناس، ويظهر ذلك في النماذج الإسلامية الرائعة الرائدة، من جنود الإسلام ودعاته وأوليائه، من العلماء والمفكرين، والدعاة والمصلحين، والمجاهدين الصادقين، الذي يؤدون الشهادة لهذا الدين، ويقفون أمام أعدائه الكافرين.
أما شجرة الكفر فإنها خبيثة سامة، والمذاهب الفكرية الضالة مدمرة مخربة، تخرب المواهب والطاقات البشرية، وتقضي على القلب والروح، وتعطل السمع والبصر، وتعمي البصيرة، ويكون الكافر معطلاً معوقاً، بدون هدف نبيل أو رسالة سامية.
والكفر دخيل زائف، يدمغه الإسلام ويقضي عليه، إذا وجد رجالاً صادقين، يحملونه ويجاهدون به.
وكما يثبّت الله المؤمنين على الإسلام بالقول الثابت، في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فإنه يثبّت الإسلام في الأرض، ويجعله راسخاً فيها، متمكناً منها، ويمد ظلاله فيها، وينشر رحمته عليها.
وعد الله بالتمكين للإسلام في حياة البشرية:
إن قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) وعد نافذ من الله، بانتصار الإسلام، والتمكين له في الأرض.
وقد جاء هذا الوعد الرباني في سورة إبراهيم المكية، والمسلمون محارَبون مستضعفون، ولكنهم كانوا موقنين بإنفاذ وإنجاز هذا الوعد.. وقد صدقهم الله وعده، فنصرهم على أعدائهم.
وقويت شجرة الإسلام، ونشرت ظلالها على الجزيرة العربية في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مدت فروعها وأغصانها إلى العالم القديم كله في ذلك الزمان، وعمت بركتها ورحمتها الشام والعراق ومصر، وآسية وإفريقية وأوروبة، وآتت أكلها كل حين، في الأجيال المتلاحقة من العلماء والدعاة والربانيين.
فشل الأعداء في القضاء على الإسلام:
واستعصت شجرة الإسلام القوية على محاولات الأعداء لقطعها واجتثاثها.. لقد حاول الفرس والرومان ذلك ففشلوا، وحاول الهنود والترك ففشلوا، وحاول الإسبان والطليان ففشلوا، وحاول المغول والصليبيون ففشلوا، وحاول الإنكليز والفرنسيون ففشلوا، وحاول الألمان والروس ففشلوا، والآن يبذل اليهود محاولات ضخمة لقلع الشجرة أو قطعها، وسيفشلون، ويحاول الأمريكان بكل ما أوتوا من قوة وسيفشلون.. وستحاول قوى الكفر اللاحقة في القرون القادمة القضاء على شجرة الإسلام، وستفشل كما فشلت قوى الكفر السابقة.
إن التاريخ بماضيه وحاضره، شاهد على صدق تحقق الوعد القرآني، بقوة شجرة الإسلام في أعماق الأرض، وفي أطباق الفضاء، وفي وفرة ثمارها، وكثرتها وأصالتها.
تحاول القوى الصليبية واليهودية هز شجرة الإسلام واجتثاثها، وتظن أنها نجحت، وتصب حربها على المسلمين، لكنها تكتشف فشلها في النهاية، فهزُّها للشجرة قد يسقط بعض أوراقها الصفراء الضعيفة، ولكنها سرعان ما تجعل مكانها أوراقاً خضراء يانعة، وقد يمسك الأعداء بغصن من أغصان الشجرة، ويجذبونه إليهم، آملين أن يقتلعوا الشجرة معه، ولكنهم سرعان ما يجدون بين أيديهم الغصن مخلوعاً، بينما بقيت الشجرة ثابتة!.
ولن يستطيع اليهود ولا الأمريكان، الذين يهزون شجرة الإسلام بعنف، ويشدون بعض أغصانها إليهم بشدة في هذه الأيام، لن يستطيعوا فعل ذلك، وستخرج شجرة الإسلام من حربهم أكثر قوة ومتانة ورسوخاً وثباتاً، وسيضاف اليهود والأمريكان إلى قوائم الفاشلين الخاسرين!!.
شباب الصحوة هم ثمار الشجرة:
وشباب الصحوة الإسلامية، هم الثمار الطيبة لشجرة الإسلام المباركة، الذين يًقبلون على الإسلام بجدية، ويلتزمون به بصدق، ويجاهدون به الصليبيين واليهود، جهاداً كبيراً مبروراً، ويقفون المواقف الإيمانية الجهادية العظيمة، التي يغيظون بها الكفار.
ويُثبّت الله هؤلاء الشباب على الإسلام، ويجعلهم إسلاماً حياً متحركاً إيجابياً، رغم محاولات الأعداء الكثيرة لإغوائهم وإضلالهم.
الله ليس غافلاً عن الظالمين:
ثالثاً: قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء، وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ، وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ، وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) [إبراهيم: 42-47].
تعرض هذه الآيات مشهداً لذل وهوان الظالمين المجرمين يوم القيامة، ومشهداً لحسرتهم وندمهم، عندما يأتيهم عذاب الله في الدنيا، وتقرر أن الله لا يغفل عنهم، ولا يخلف رسله وعده!.
عندما يأتي الظالمين الطغاة عذاب الله، يطلبون الإمهال والتأخير، وإعطاءهم فرصة أخرى: (فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ).
فتوجِّهُ إليهم ملائكة العذاب سؤالاً لتوبيخهم وذمِّهم، وإشعارهم بمزيد من الذل والحسرة والندم: (أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ، وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ).
وتخبر الآيات عن مكرهم ضد المسلمين، وحربهم لهذا الدين: (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ).
لكن ما هي نتيجة مكرهم وحربهم؟ لقد حاق المكر السيئ بهم، وانقلبت العاقبة السيئة عليهم، حيث خرج الإسلام منصوراً قوياً، وباؤوا هم بالهزيمة والذل والخسران.
الله يخلف أولياءه وعده:
وحتى لا يشك المؤمن، الذي يخوض حرباً شرسة ضد الكافرين الظالمين، فقد نهاه الله عن ظنّ تخلف وعد الله، وظن غفلة الله عن الظالمين.
إننا نخاطب كل مسلم في هذا الزمان، ابتُلي بعداوة اليهود والأمريكان، وحربهم له ولإسلامه، نخاطبه بما خاطب الله به رسوله، وذلك في قوله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ).
ونخاطبه أيضاً بقول الله تعالى: (فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ). فالله هو الذي يقدّر كل شيء، وللظالمين اليهود والصليبيين يوم شديد عند الله، والله لا يخلفنا وعده، بنصر دينه، وإذلال أعدائه، وهذا اليوم آت لا محالة، ونحن نوقن بذلك، لأن الله لا يخلف الميعاد!.
* * *
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات