تابــــــــــــــــــــــع الوعد القرآني في سورة البقرة
إصابة المؤمنين بالبأساء والضراء:
ثالثاً: قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) [البقرة: 214].
تتحدث الآية عن طريق الدعوة، وضريبة الإيمان والالتزام والسير في الطريق الموصل إلى الجنة.
والخطاب في الآية: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم) للمسلمين، وإن الآية تُعرِّفهم على ما ينتظرهم من الابتلاءات والمحن، في طريقهم إلى الجنة، فطريق الجنة ليس مفروشاً بالورود والرياحين، وهو ليس سهلاً معبّداً، إنه مليء بالعقبات والأخطار والمفاجآت، وكل من سار فيه لا بد أن يصيبه الأذى والألم.
وللمسلمين في ذلك قدوة وأسوة بالمؤمنين الذين خلوا من قبلهم، من أتباع الرسل السابقين، فقد عاشوا كثيراً من الابتلاءات والمحن، أخبر الله عنها بقوله: (مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ).
البأساء هي الشدة، والضراء هي الضرّ والألم، والزلزال قائم على الإيذاء والابتلاء، والتهديد والتخويف، والحصار والمعاناة.
لا بد أن يمر المؤمنون بهذا الطريق، وأن يذوقوا هذه الابتلاءات والمحن، وأن يدفعوا هذا الثمن.
وأكدت على هذا آيات عديدة، منها قوله تعالى: (الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت: 1-3].
ومنها قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155].
معنى التساؤل: متى نصر الله؟:
وبلغ من شدة ما أصاب المؤمنين السابقين قبل الإسلام أن الرسول وأتباعه كانوا يقولون: (مَتَى نَصْرُ اللّهِ)؟ فيأتيهم الجواب محقّقاً ومؤكداً قرب وقوعه: (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ).
وقول الرسول وأتباعه المؤمنين: (مَتَى نَصْرُ اللّهِ)؟ ليس شكاً منهم، ولا إنكاراً لنصر الله لهم، ولا يأساً أو ظناً أن الله تخلى عنهم، فهم موقنون بأن الله معهم، وأنه سينصرهم ويهزم أعداءهم.
إن تساؤلهم (مَتَى نَصْرُ اللّهِ)؟ تضرع ودعاء إلى الله، واستجلاب واستقدام لنصره، وإعلان بأنه قد أصابهم الكثير، وقد تحملوا الكثير، ودفعوا الكثير، وأنهم صابرون محتسبون، لكنهم يريدون أن ينعموا بالنصر.
الوعد بقرب نصر الله:
وقد علم الله صدقهم، في بذلهم وصبرهم وتساؤلهم، فبشّرهم بقرب وصول النصر إليهم: (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ).
وقد أُكِّدَتْ هذه الحقيقة بعدة مؤكدات في الآية. وهي: حرف الاستفتاح: (ألا). وحرف التوكيد: (إن). والجملة الاسمية بعدها: (نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ). وإضافة النصر إلى الله إضافة تشريف له. وصيغة المبالغة: (قَرِيبٌ).
وهذا وعد قاطع من الله، صيغ هذه الصياغة، وأُكّد بهذه المؤكدات.
وكان الرسل السابقون وأتباعهم واثقين من نصر الله، وموقنين بقرب تحققه وقدومه، وقد أنجز الله لهم وعده، في الوقت الذي اختاره سبحانه بحكمته، فأنجاهم من الهلاك، ودمر أعداءهم الكافرين.
وبمعنى هذه الآية قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف: 110].
وهذا وعد من الله بنصر عباده المؤمنين، الصابرين المجاهدين الصادقين، وهذا الوعد ليس مقيداً بزمان، ولا خاصاً بمكان، ولا محصوراً بالرسل السابقين وأتباعهم، إنما هو وعد مطلق عام شامل، للمؤمنين المجاهدين الثابتين على اختلاف الزمان والمكان.
نصر الله قريب من الرسل السابقين وأتباعهم، وقد صدقهم الله وعده وأنزل عليهم نصره، ونصر الله قريب من رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد صدقهم الله وعده، وأنزل عليهم نصره.
وإن نصر الله قريب من المؤمنين المجاهدين من هذه الأمة، وسيصدقهم الله وعده، ويمن عليهم بنصره، في الوقت الذي يحدده، والكيفية التي يختارها.
ومن الواجب أن نوقن أن الله لا يحجب نصره عن عباده المؤمنين المجاهدين الصادقين، لأنه جعل ذلك حقاً عليه، فقال: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47].. ولكن صور النصر وألوانه عديدة، وليس محصوراً بالغلبة المادية والانتصار العسكري. قال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر: 51].
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات