تابــــــــــــــــــــــــــــع فتح نهمشير
فتوح الإيوان ودخول المسلمين في الدجلة وفتوح إسبانير
وهي المدينة القصوى فلما دلوه على المخاضة أبى وقال: بحر عميق وما كنت أغرر بالمسلمين والله يصنع بهم ما يشاء فبينما هو كذلك إذ أتوه بعلج وأثوابه تقطر بالماء فسأله سعد عن حاله فقال: كيف حالي والملك قد رأى في منامه أن المسلمين قد عبرت إليه وقد استشعر بزوال ملكه وهو معول على الهرب وأن يأخذ أمواله ويمضي إلى خراسان.
قال فلما سمع سعد ذلك جمع المسلمين وحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس عدوكم قد استعصم منكم بهذه السفن وكسرى قد عول على الهرب بأمواله ورجاله وإني قد عوالت على العبور إن شاء الله تعالى واعلموا أنه ليس وراءكم من تخافونه لأن الله قد ملككم معاقلهم وبلادهم وقد رأيت من الرأي أن نقطع هذا البحر إليهم ونقدم عليهم فما أنتم قائلون.
فقالوا جميعًا: قوى الله عزمك على الرشد فافعل ما أراد الله به فعندها قال سعد: رحمكم الله ونصركم أيكم يبتدئ أو يتقدم ويجس لنا المخاضة وبنبش عليها من على الشط حتى تتلاحق به الناس فابتدر لها عاصم بن عمر وانتدب معه ستمائة من أهل النخوة ممن شاع ذكرهم ونما فخرهم وعلمت شدتهم وسار عاصم أمامهم حتى قال الواقدي: حدثنا يونس بن عبد الأعلى عن يوسف بن عمرو.
قال: ابتدر عاصم وشرحبيل وأبو مقرن ومالك بن كعب الهمداني ومثل هؤلاء السادات وركبوا خيولهم واقتحموا الدجلة واقتحم بعدهم الستون والستمائة في أثرهم وأول من نزل في الماء عاصم بن ولاد وأبو مقرن وشرحبيل ومالك بن كعب وغلام من بني الحرث فلما رأتهم الأعاجم قد قربوا منهم وأعدوا للخيل التي تقدمت خيلًا منهم اقتحموا الماء فأول من لقيهم من جيش سعد عاصم بن عمرو فلما لقي خيل فارس في الماء صاح بأصحابه وقال: شرعوا رماحكم إلى الأعلاج واقصدوا أعينهم فلما سمعوا كلام عاصم قصدوا عيون العدا وسقوهم كأس الردى فلما رأت الفرس ثبات العرب في الماء كثباتهم في الأرض للطعن والضرب ولوا الأدبار والمسلمون في أثرهم فقتلوا مخالبهم وما نجا إلى الشط إلا القليل وملك المسلمين جانب الشط من جهة الفرس وتلاحق السلمون فلما علم سعد ذلك أذن للمسلمين بالاقتحام وقال لهم: استعينوا بالله وتلاحق الجند ونزلوا الدجلة وهي ترمي بالموج والناس يجهدون في عومهم وهم لا يكترثون بالموج ولا بتلاطمه وكأنهم على وجه الأرض ونزل بأهل فارس ما لم يكن في حسبهم وقاتلوا قتالًا شديدًا.
قال الواقدي: حدثني من أثق به: إن أول من عبر من الجيش ستون فارسًا خرجوا زمرًا فأولى زمرة تسعة أولهم عاصم والزمرة الثانية ثلاث وثلاثون.
قال عاصم بن عمرو: وقد اقتحمنا الدجلة خيلًا ورجالًا ودواب حتى نزلنا ولا نرى الماء من كثرة الناس وخرجت خيلنا وهي تنفض معارفها وتصهل على الشط إلهامًا من الله.
قال ولما رأى الملك كسرى أن المسلمين قد عدلوا إلى الجانب الثاني أمر شهريار بن ساور أن يبرز للمسلمين ويقف على مقابلتهم ففعل وأخذ كسرى ما قدر على حمله من أمواله من الدر والجواهر واليواقيت وما أشبه ذلك.
قال: وإن سعدًا ليخوض الماء خوضًا وهو يقول: {ذلك تقدير العزيز العليم} [الأنعام: 96].
قال: ولم يغرق من الناس أحد.
قال الواقدي: حدثني النعمان بن عاملة الضبي عن أبيه عثمان أنهم سلموا عن آخرهم وأن رجلا من بارق ويقال له عرقدة زال عن فرسه وكانت شقراء وكأني أنظر إليها وصاحبها غريق فمضى إليه القعقاع بفرسه وأخذ بيده وجره حتى عبر به.
فقالت الناس: عجزت النساء أن تلد مثلك يا قعقاع ولم يذهب للناس في الماء شيء إلا قدحًا كانت علاقته رثة فانقطعت فذهب الماء بالقدح.
فقال صاحبه: والله لأجهدن عليه وما كان الله ليسلبني قدحي من بين العسكر فلما عبروا أتى رجل من الناس ليغتسل وإذا بالأمواج قد رفعت القدح إليه فتناوله وأتى به إلى العسكر فعرفه صاحبه فأخذه.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــع
فـــــــــــتــــــــــوح الشـــــــــــــــام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي الواقدي
المفضلات